نواصل ايها القارئء استعراض ما انتهى إليه الامام الغزالي رحمه الله من بيان اسرار وحكم االصوم و ما ينبغي ان يتحلى به الصائم ليتحقق له من صيامه ماوعده به ربه من قبول وثواب كبير إذا ما التزم في صيامة بالامورالستة (وهي كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل عن المكا ره وان لا يستكثر من الطعام وان يكون قلبه عند الافطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجا) - الامر الخامس ان لايستكثر من الطعام الحلال وقت الافطار بحيث يمتلئء جوفه فما من وعاء ابغض إلى الله عز وجل من بطن مليئ من حلال وكيف يستفاد من الصوم إذا تدارك الصائم عند فطره ضحوة نهاره اوربما يزيد عليه في الوان الطعام حتى استمرت العادات ان تدخر جميع الاطعمة لرمضان فيؤكل في رمضان من الاطعمة فيه ما لايؤكل في عدة أشهر ومعلوم ان مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى... فروح الصوم وسره تضعيف القوة التي هي من وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ولن يحصل ذلك الا بالتقليل وهو ان ياكل اكلته التي كان ياكلها لو لم يصم فاما إذا جمع ما كان ياكل ضحوة إلى ماكان ياكل ليلا فلم ينتفع من صومه بل من الاداب ان لايكثر من النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ويستشعر ضعف القوى فيصفوا عند ذلك قلبه ويستد يم كل ليلة قدرا من الضعف حتى يخف عليه تهجده واوراده.... - الامرالسادس ان يكون قلبه قبل الافطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري ايقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين وليكن كذلك في اخر كل عبادة يفرغ منها - ويجيب الامام الغزالي على قول من اقتصرمن الصوم على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال الفقهاء صومه صحيح - يقول الامام الغزالي مجيبا على ذلك اعلم ان فقها ء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بادلة هي اضعف من هذه الادلة التي اوردناها في هذه الشروط الباطنة لاسيما الغيبة وامثا لها ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات الا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته. - فاما علماء الاخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود ويفهمون ان المقصود من الصوم التخلق بخلق من اخلاق الله عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الامكا ن فا نهم منزهون عن الشهوات والانسا ن رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى اسفل سافلين والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى اعلى عليين والتحق با فق الملائكة والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدي بهم ويتشبه باخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم فان الشبيه من القريب قريب وليس القريب ثم بالمكان بل بالصفات - واذا كان هذا هو سر الصوم عند ارباب الالباب واصحا ب القلوب فاي جدوى لتا خير اكلة وجمع اكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الاخر طول النهار ولو كان لمثله جدو ى فا ي معنى لقوله عليه الصلاةوالسلام( كم من صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش)... ولذلك قال بعض الحكماء( كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم) والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه من الاثام ويا كل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه.... وقد قال صلى الله عليه وسلم( إن الصوم امانة فليحفظ احدكم امانته)ولما تلا قوله تعالى( إن الله يا مركم ان تؤدوا الامانا ت إلى اهلها) وضع يده على سمعه وبصره فقال السمع امانة والبصر امانة ولولا انه من امانات الصوم لما قال صلى الله ىعليه وسلم( فليقل اني صائم) أي اني قد اودعت لساني لاحفظه فكيف اطلقه بجوابك - فاذا ظهر ان لكل عبادة ظاهرا وباطنا وقشرا ولبا ولقشورها درجات ولكل درجة طبقات فا ليك الخيرة الان في ان تقنع بالقشر عن اللباب اوتتحيز إلى غمار ارباب الالباب - هذه ايها القارئء اسرار الصوم وشروطه الباطنة كما فصل فيها القول حجة الاسلام الغزالي في كتابه النفيس( احياء علوم الدين) نقلته من المجلد الأول بتصرف بسيط لايخل بما فيه مما اراد الامام الغزالي ان ينبه إليه ويشير به على المسلمين عند ادائهم لهذا الركن الهام من اركان الاسلام ليؤتي ثمرته المرجوة فيستحق ان يحظى بشرف النسبة إلى الله( كل عمل ابن ادم له الا الصوم فهو لي وانا اجزي به) - لم يسبق الامام الغزالي احد من العلماء الى بيان الحكم والاسرار التي اودعها الله فيما أمر الله به عباده - لقد نفذ الامام الغزالي إلى حقائق الأمور ونبه إلى مخاطر احباط الاعمال مما تامر به ا لنفس والشيطان فتجعل اعمال المسلم خالية من حكمها واسرارها التي من اجل تحقيقها شرعها الله - فصلاح احوال المسلم في العاجل والاجل متوقف على تجسيم هذه الأمور الستة في الصوم وفي غيره من التكاليف و يبقى الصوم مجرد رسوم ظاهرية شكلية هي إلى العادة اقرب منها إلى العبادة لايرجى عليها من الله ثواب - نقلت هذا النص الفريد في بيان اسرار الصوم من كتاب (الاحياء) ففيه العلاج للكثير من الانحرافات بالصوم (و بغير الصوم) عن لبه وجوهره فمن مثل هذا التحليل العميق لاحوال الصائمين وما ينبغي ان ينبهوا اليه من وجوب تقويم العديد من تصرفاتهم وعاداتهم وسلوكياتهم في شهر رمضان شهر التزود بخير زاد مصداقا لقوله جل من قائل( كتب عليكم الصيا م كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) - من مثل هذا التحليل الذي هو بحق احياء لعلوم الدين الذي هوعنوان ومحتوى كتاب الامام الغزالي رحمه الله ينبغي ان تقتبس الدروس والمواعظ و على هديها القويم ينبغي علينا ان نسيرو صدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز( أما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) والله الهادي إلى سواء السبيل