المفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه. ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله ، ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضائه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل. ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال. وقد قال صلى الله عليه وسلم : {إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته} ولما تلا قوله عز وجل : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء : 58) وضع يده على سمعه وبصره فقال : {السمع أمانة والبصر أمانة} ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم : {فليقل إني صائم} أي : إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك ؟ فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهرا وباطنا وقشرا ولبا ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب.