لا أحد يمكنه التكهن بموعد اكتشاف دواء أو لقاح للكوفيد 19 , لكن المؤكد أن التداعيات الاقتصادية للوباء لم تستثني لا دولا غنية و لا فقيرة . تونس التي تعاني و ما قبل الكورونا من مشاكل في موازناتها المالية العمومية و في نسب نمو اقتصادها المتدنية الغير قادرة على استيعاب جحافل العاطلين و المهمشين ، لقادرة على الخروج و لو تدريجيا من أزمتها متى توفرت مجموعة من الشروط و من بينها : 1 ضرورة ادماج الاقتصاد الموازي عبر المبادرة من جهة بتغيير العملة الوطنية و من جهة أخرى بتخفيف الأداء على المؤسسات الاقتصادية و تبسيط الاجراءات الادارية لبعث المشاريع لتقتصر على مجرد تصريح يمكن ان تعقبه رقابة ادارية بعدية . 2 ضرورة الحسم في وضعية المؤسسات العمومية في ظرف زمني قصير و مستعجل ، بمشاركة كل الأطراف المعنية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . 3 اقرار اداء رجوع عن الدعم يفرض على الأشخاص الطبيعيين و ليس المعنويين( تفاديا لمزيد من التضخم) الذين تتجاوز مداخيلهم نسبة معينة هو بمثابة ارجاع لدعم على مواد غذائية أو محروقات و غيره... لا يستحقونه . 4 تطهير مسالك التوزيع للمنتجات الفلاحية و الصناعية و الخدماتية بصفة جذرية و هي في الحقيقة السبيل الأمثل لمحاربة ارتفاع الأسعار بعد أن أحرزت سياسة الترفيع في نسب الفائدة المديرية فشلا نسبيا في احتواء التضخم الذي هو بمثابة سرطان الاقتصاد . 5 محاربة الفساد عبر منح الاستقلالية الوظيفية و التعهد التلقائي لهياكل الرقابة العمومية و نشر تقاريرها و كذلك تقارير دائرة المحاسبات للعموم بكل شفافية . 6 العمل على الاستقرار السياسي و الأمني و الاجتماعي و استقلال القضاء و حرية الاعلام و غيرها من الواجبات و الحقوق المضمنة في الدستور و لن يتحقق ذلك الا متى التزمنا بتحييد الدين أو العرق أو الطائفة عن العمل السياسي مع الحرص في نفس الوقت على التزام الدولة المدنية بدين الغالبية الساحقة للشعب التونسي و احترام حقوق الأقليات الدينية و العرقية و المذهبية و التي من المفروض أن تشكل عنصر تطور و ثراء . 7 اقرار صندوق زكاة لا تتعارض أو تضرب الاموال أو الثروات التي يتم استثمارها أو ادماجها في الدورة الاقتصادية . أما السياسات الاقتصادية للديموقراطيين الاجتماعيين و كذلك اليساريين بصفة عامة و المرتكزة على الرفع من الاداءات المباشرة و غير المباشرة بدعوى العدالة الاجتماعية و على مايسمى بالضريبة على الثروة و على سياسات تقسيم العمل و الاستثمارات العمومية و كذلك الحوكمة العمومية للمؤسسات الاقتصادية فلم تسبب أينما طبقت في شتى أنحاء العالم سوى هروب الاستثمارات و رؤوس الأموال و عجز الموازنات العمومية و أزمات اجتماعية حادة رغم تبنيهم لمقاربات ذات أولوية اجتماعية لن تؤتي أكلها سوى عبر نسب نمو محترمة لا يمكن تحقيقها الا عبر تشجيع و جذب و استقطاب الاستثمار الخاص الداخلي و الخارجي . هكذا علمنا التاريخ و الحاضر في شتى أنحاء العالم و لن يختلف الأخير بعد الكورونا و لن تتخلى دوله الناجحة عن ليبرالية و ان كنا ننتقد جانبها المتوحش و لوبياتها المهيمنة و المضاربات التي تخترقها ، فانها السبيل الأمثل لخلق الثروة و الصمود امام منافسة عالمية لا ترحم . بالنظر لمرجعية و تكوين و تركيبة و التجاذبات الداخلية التي تشق الحكومة الحالية فلا أتوقع سيرها في نهج ليبرالي يحرر الطاقات الوطنية و الامكانيات الفردية و الجماعية ، بل ربما تكون حكومة تمتص و تتحمل الفاتورة الاقتصادية للكورونا بعد أن جنبت سابقا حل البرلمان لتليها سيناريوهات قد تصل إلى حد سحب الثقة من الحكومة الحالية في اطار صراعات بين مواقع قرار و نفوذ لم تعد خافية على جل المتابعين .