في بداية الإعلان عن تَقشي "فايروس كورونا" في الصّين ثُمّ إيران شنّت الإدارة الأمريكيّة حَمْلَةَ تَشَفٍّ تتّهِم الصّينَ بالتقصير في مكافحة الفايروس تارةً ويضع الرئيس الأمريكي ووزير خارجيّته شروطاً مُهينة لتقديم المساعدة ، وقد واجه المسؤولون الصينيونوالإيرانيّون سفاهةَ ترامب وبومبيو بتصريحات شديدة اللهجة كالتشكيك الصيني شبه الرسمي بمسؤوليّة البنتاغون عن ظهور الفايروس في مدينة "ووهان" والتشكيك الإيراني بأنّ الأمريكان لو أتيحَ لهم لن يفعلوا غير تمكين الفايروس مِن مضاعفة أرقام الضحايا الإيرانيين . وعندما وَصَلَ الفايروس إيطاليا وصربيا أدارت واشنطن والاتحاد الأوربي ظهريهما لهاتين الدولتين وشعبيهما الأمر الذي حدا بالقيادتين الإيطالية والصربيّة إلى التأكيد على أنّ السياسة الخارجية لكُلٍّ منهما لن تكون هي نفسها بعد هذا الوباء الذي أسقط أقنعة كثيرة ومنح المشهد السياسي الدولي معطيات جديدة خاصة وأنّ مواطنيّ هاتين الدولتين لم يترددوا في حَرق علميّ الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدة بعد أن شاهدوا بأمّ أعينهم كيف أنّ أوّل مَن هبّ إلى مساعدتهم من بين دول العالم كانت كوبا وروسيا والصين التي يَفرض عليها الغرب الأمريكي والأوربي العقوبات تلو العقوبات . وعندما مدّ كورونا لسانه للإدارة الأمريكيّة باسطا ظلاله المرعبة على شوارع وساحات مدن الولايات المتّحدة واصل ترامب وبومبيو استهتارهما بالفايروس لاقتناعهما بأنّه سليل مختبرات بلادهما البيولوجيّة وبالتالي فهو بالتالي تحت السيطرة، وعندما اهتزّت ثقتهما بهذه الاقتناعات أرادا التملّص من المسؤوليّة الأمريكيّة عن تصنيع الفايروس وتوجيه أصابع اتّهام مرتجفة إلى الصين في مرحلة أولى وطلب المساعدة وقبولها من الصينوإيران وروسيا (!!!) في مرحلة لاحقة. ولكنّ الرئيس الأمريكي عاد إلى اتهام الصين ليس بصناعة الفيروس طبعا إنّما بأنها "لم تحسن التصرّف إزاء أزمة كورونا منذ البداية". ذلك لأنّ ترامب يعلم ويعرف جيّدا أنّ فايروس كوفيد19 هو فيروس أمريكي وليس "فايروس الصين" كما حاول أن يشيع. يؤكّد الدكتور "رشيد بتّار" خريج جامعة واشنطن الذي عمل كلواء جرّاح ومدير طبّ الطوارئ أثناء خدمته في الجيش الأمريكي وهو أيضا طبيب معتمد في سُمّيّة المعادن والطبّ الوقائي ويشغل حاليّاً منصب المدير الطبّي لمراكز الطبّ المتقدّم مع عيادات كاليفورنيا ونورث كارولينا ، ويُعَدّ واحداً من أفضل خمسين طبيبا في الولاياتالمتحدة ، يؤكد "رشيد بتّار" أنّه نُشِرَ بمجلة nature سنة 2015 أنّ جميع الدراسات الأوليّة للبحث الخيمري (تصنيع الفيروسات) لأجْل تطوير كوفيد19أجريت في جامعة نورث كارولينا على الرغم من حظر مواصلة البحث سنة 2014 بناء على تقرير علماء أحياء قالوا في حينه :لا يوجد مبرر لهذا النوع من البحث الذي من المحتمل أن يتسبب في وباء عالمي. والبحث الخيمري هو باختصار أن نأخذ مادة فايروس أنتجته الطبيعة ونحوّره بتعديله وراثيّاً ،ونغيّر تكوينه الشكلي لاكتساب الوظيفة وهذا ما يُسَمّى دراسة وبحث كسب الوظيفة ، أي جعل الفيروس الضار بطبيعته أكثر ضررا وضراوة وأكثر مقاومة للمضادات الحيوية . ولتصنيع كوفيد19 أحضروا سلالة shco14 من فيروس كورونا وأضافوه إلى الهيكل الأساسي مِن فايروس كورونا سارس (sars) ثمّ أدخلوا عليهما فايروس نقص المناعة البشريّة وعملوا فوق هذا كله دمجاً غير مُتجانس جعل الفيروس الجديد أشدّ ضراوة . وحسب الدكتور "رشيد بتار" فقد تسلّم الدكتور "أنتوني فاوتشي" مدير المعهد الوطني للحساسيّة والأمراض المُعدِيَة ميزانيّة لهذا البحث تحديداً قدرها 3،7مليون دولار . وبرغم قرار حظر مواصلة البحث سنة2014كما أسلفنا فقد قام الدكتور "فاوتشي" بخرق القرار سنة 2015مُستخدماً أموال دافعيّ الضرائب الأمريكيين لتمويل البحث الذي أدّى الآن إلى كوفيد19، وفي سنة 2017تمّ توثيق البحث في جامعة جورج تاون. وفي السنة ذاتها صرّح "أنتوني فاوتشي" بأنّ رئاسة ترامب ستواجه وباء سيظهر إما في سنة2018 أوسنة 2019 أوسنة2020.أمّا الذهاب إلى "ووهان" فقد كان مِن قبيل التضليل . والمفارقة هُنا أنّ مصدرنا الدكتور "رشيد بتار" يُعَدُّ من أنصار الرئيس دونالد ترامب!. لا يُخالِجُنا شَكٌّ في أنّ الأمْرَ يُجاوِزُ ترامب إلى النظام الأمريكي منذ نشأته ، فمسؤوليّة الولاياتالمتحدة الأمريكيّة عن صناعة هذا الفيروس وإلقائه في الصين بعد أشهر قليلة من تهديدٍ وَجَّهَه ترامب إلى بكين بتوجيه ضربة إليها تشلّ اقتصادها ، تنسجم مع تاريخ وإرث الجريمة الأمريكية ضدّ الإنسانيّة في استخدام الأسلحة البيولوجيّة ، ففي القرنين السابع عشر والثامن عشر، انتشرتْ عادةُ "وهب" المستعمِرين الإنكليز، في أميركا الشمالية، السكّانَ الأصليين، بطّانيّاتٍ ملوَّثةً بداء الجدريّ، بغيَة نشر الوباء بينهم، وقتلِهم، ثم الاستحواذِ على أرضِهم. وهو ما ورثه المستعمِرون الأميركيون عن البريطانيين بعد ما يُسمّى "استقلال الولاياتالمتحدة الأميركيّة". و"بعد الحرب العالميّة الثانية، وخلال الحرب الباردة تحديدًا، كثّفت الولاياتُالمتحدة وحلفاؤها الغربيون من جهود تطوير الأسلحة البيولوجيّة. و افتُتِحَ مرْكزٍ متخصّصٍ لهذا الهدف في آركنْسا (الولاياتالمتحدة) أسهم في إنتاج أعدادٍ كبيرةٍ من أنواع البكتيريات والفيروسات المختلفة، مثل بروسيلوسيس وفرانشيسيلا تولارنسيس والآنثراكس وفيروس التهاب الدماغ الافتراضيّ الفنزويليّ والحمّى الصفراء والبوتولين والمكوّرات العنقوديّة المعويّة وغيرها". وقد استخدمت الولاياتُالمتحدة هذه الأسلحةَ ضدّ البلدان التي رفضت الانصياعَ لإملاءاتها، كالفييتنام وكوبا ، كما استخدمت اليورانيوم المخصّب ضدّ الشعب العراقي في حرب أعقبت حصاراً جائراً ذهب ضحيّتهما أكثر من مليون عراقي نصفهم من الأطفال. وبعد أن رفض ترامب توقيع اتفاقية المناخ لم يَرَ حَرجاً في إيقاف جميع أشكال تمويل منظمة الصحة العالمية إبّان الأزمة الصحية عبْر العالم التي ننوء تحت وطأتها اليوم نتيجة تفشي وباء فيروس كوفيد19! . وفي الوقت نفسه يواصل نهْبَ ثروات الشعوب النفطيّة في سورياوالعراق وليبيا وفرْضَ العقوبات عليها وعلى الشعب الإيراني للحؤول دون تمكين هذه الشعوب من أسباب الوقاية والعلاج في مواجهة فايروس كوفيد19الأمريكي ، ناهيك عن مسؤوليّة واشنطن المباشرة عن تدمير النظام الصحّي لدوَل المنطقة في سياق الحروب الإرهابية التدميريّة التي شنتها هي وحلفاؤها و لا تزال ضدّ هذه الشعوب والدّوَل بذريعة نَشْر الديمقراطيّة الأمريكيّة تارةً والحفاظ على نمط حياة المواطن الأمريكي تارة أخرى . ولئن كان العالم بأسره قد تعرّف جيّداً على تجلّيات تصدير الديمقراطيّة الأمريكيّة في أفغانستانوالعراق وليبيا واليمن وسوريا ناهيك عن تعرّفه في غوانتانمو وسجن أبي غريب على المعنى الأمريكي لحقوق الإنسان فإنّ الحفاظ على نَمَط الحياة الأمريكيّة بشنّ الحروب على الشعوب المختلفة عبر العالم تكشّف هو الآخَر عن كونه أكذوبة لا تقلّ زَيْفاً عن تقارير المخابرات الأمريكيّة التي زعمت في تسعينات القرن الماضي أنّ العراق يمتلك أسلحةَ دمار شامل. فالحكومات الأمريكيّة كما شَفَّتْ عنه أزمة تفشّي فيروس كوفيد19كان آخر اهتمامها صحّة المواطن الأمريكيّ لدرجة أنّ شركاتها الضخمة في تصنيع أسلحة الدمار التقليديّة والبيولوجية والنووية وغيرها لم تحسب حساب هذا المواطن في ضرورة حمايته بترياق للسموم التي تطبخها في مختبراتها الإمبريالية ، فالأمريكيون يموتون يوميّاً بالآلاف ودولتهم العظمى عاجزة ليس فقط عن أن تؤمّن لهم العلاج واللقاح بل حتى الكمامات والمعقمات للوقاية ، هذا إن كانت معنيّة حقّاً بحياة مواطنيها ناهيك عن النمط المزعوم لتلك الحياة. فواقع الحال أنّ ما يهمّ ترامب وأمثاله هو أنّ "مصانع السلاح تعمل "، أمّا مَن مات أو يموت أو سيموت به فهذا كلّه ليس مُهمّاً . وحسب المواطن الأمريكي الشهير "ناعوم تشومسكي" الذي وصَف الرئيس ترامب بالعاطل الاجتماعي والمهرّج ، وبأنّه منذ انتخابه وضع البشريّة أما م تهديد الحرب النووية والاحتباس الحراري وتدهور الديمقراطيّة ، حسب هذا المواطن المفكّر فإنّ إدارة دونالد ترامب " إدارة سوريالية. ففي شباط، بدأ الوباء يفتك فعليًا، وقد أدرك ذلك الجميع في الولاياتالمتحدة. في الشهر ذاته، أقدم ترامب على تخفيض ميزانيات مركز الوقاية من الأمراض ومكافحتها والأجزاء الأخرى المتعلقة بالصّحة. قام بتخفيضات في ظل جائحة وزاد تمويل صناعات الوقود الأحفوري والإنفاق العسكري والجدار الشهير... كل هذا يخبرك بشيء عن طبيعة الجاموس المعتلّ اجتماعيًا الذي يدير الحكومة". وفي ذات السياق يؤكّد تشومسكي أنّ "النيوليبرالية أثرت الأغنياء، والشركات والاحتكارية تمتلك قوة هائلة، أنتجت اقتصادًا هشًا للغاية، قائماً على نموذج اقتصادي فعال بمنطق يقود إلى الاعتقاد بأن المستشفيات ليست مربحة، على سبيل المثال.و ينهار هذا النظام الهش حاليًا، لأنه لا يستطيع التعامل مع أحداثٍ طارئة". ولكن إذا كان الله قد خلَقَ الإنسانَ على صورته ، فإنّ المخابر الأمريكيّة قد خلقت كوفيد19 على صورة الولاياتالمتحدة الأمريكيّة ، فكما أنّ تاج الفيروسات إدماج دهنيّ هشّ لفيروسات غير متجانسة فإنّ الولاياتالمتحدة الأمريكيّة إدماج هشّ لكيانات غير متجانسة ، فَمَع أوّل أزمة حقيقيّة نزلت الميليشيات الترامبيّة (كي لا نقول الجمهوريّة ) المسلّحة إلى الشوارع في عدّة ولايات (لتحريرها؟) كتعبير أصيل عن الديمقراطيّة الأمريكيّة المزعومة. ولأنّ الأمر كذلك فليس مستبعداً أن يُغامر ترامب بشنّ حربٍ قد تكون مدمّرة ضدّ الصين أو إيران ، هروباً مِن أزمته الداخلية . هذا محتمل. لكنّ الأكيد أنّ ثمّت قوى أخرى في العالم تعمل على خلفيّة القانون والشرعيّة الدوليين والقيم الإنسانية النبيلة ، أقولُ تعمل جاهدة لأجْلِ فَكّ ارتباط البشريّة المعاصرة بالإمبريالية الأمريكيّة كي لا ينجح ترامب في أن يكون كما يُهدّدُ، قائدَ قاطرة انهيار الكون واندفاعه إلى هاوية بلا قرار!.