وتستمرّ الحياة ، غير عابئة بمن عاش و من مات ، تستمرّ ، لا محالة ، بما كُتب لنا فيها من حُلْو و مرّ و مدّ وجزر بين نعيم النّجاحات و جحيم الخيبات ، بين زغاريد الأفراح ودموع الأتراح و لدغات المصائب و النّكسات... تلك هي الحياة ، لحظة قصيرة عابرة من الزّمن تتعاقب فيها أجيال تلو الأجيال ، و تبرز و تندثر كم من ممالك و دوّل وحظارات ، كان من المفروض و الحكمة أن نستقي من تاريخها ما يجعلنا بمنأى عن لدغات الزّمن وأغوال الوهن الشّامل و لفحات الأزمات... لكنّنا ، بكلّ أسف ، شعب لايقرا و لا يستنبط و لا يتّعظ من دروس و عِبر التّاريخ... لنعود ، فقط ، إلى ما حدث أثناء آخر أيّام قرطاج ، عندما كان رجالات برلمانها ،آنذاك ، يتناهشون و يتماكرون لإشباع نهمهم السّياسوي ، متجاهلين نداآت البطل "حنّبعل" المطالبة مجلس الشّعب بالمَدَد العسكريّ الفوريّ لمواصلة حربه الضّروس ضدّ كتائب روما القويّة الزّاحفة الماردة ... تجاهلوه و تركوه ينزف مع جيشه المحاصر المُنهك حتّى إنهزم البطل المغدور و إنتحر و إنتهى الأمر... هل تعلمون ماذا حصل فيما بعد ؟ زحف جيش القيصر على قرطاج وقتل من فيها من حكّام ومحكومين و أحرقها بالكامل ثمّ ذرّ الملح على أرضها لتبور و لن تُنبت و لو زهرة هل إستوعبتم الدّرس أم أنّكم لا تعتقدون أنّه يمكن للتّاريخ أن يعيد نفسه ، و لو بأعداء أقوى و أمكر و أخبث و أشنع و أدوات أنجع و أخطر و أكثر و ظروف داخلية أقسى و حالة إجتماعية و إقتصادية و سياسية مهزوزة و إمكانيات أضعف بكثير ممّا كانت تمتلكها قرطاج في ذلك الزّمن بالذّات ؟؟؟