كل الدراسات التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة حول تداعيات انتشار فيروس كورونا واكتساحه معظم المجتمعات في العالم تؤكد على حقيقة وحيدة و هي أن وضع الإنسانية لن يعود كما كان من قبل وأن حياة الانسان تحتاج إلى تعديل وتغيير حتى تتلاءم مع المعطيات الجديدة التي مثلتها تهديدات الجائحة التي سوف يتواصل تمددها في الزمن لفترة غير معلومة. كما تؤكد هذه الدراسات على أن الكثير من الأشياء في حياتنا تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر وتفكير جديد منها تصورنا لشكل المسكن ونظرتنا لهندسة البيت العائلي الذي اتضح بعد هذا الوباء وما فرضه من خيار الحجر الصحي الشامل في المنازل وبقاء المواطنين في منازلهم من دون مغادرتها إلا للضرورة القصوى أن أغلب المساكن هي غير مؤهلة للعيش المشترك لأفراد العائلة وأن المساحة التي تخصص لبناء الشقق في العمارات والكثير من المنازل في الأحياء الشعبية غير مؤهلة لاحتضان كامل أفراد العائلة لفترة زمنية طويلة وهذه الصورة التي عليها الهندسة المعمارية للمنازل مثلت أحد الأسباب الرئيسية التي وقف عليها الاخصائيون الاجتماعيون والنفسيون في تفسير أسباب تزايد عدد حالات العنف المسلط على الزوجة والأبناء في تونس وارتفاع منسوب العنف التي تتعرض له الزوجة في فترة الحجر الصحي حيث أوضحت دراسات أجريت مؤخرا أن الانسان حينما يوضع في إطار ضيق وفي مساحة صغيرة ويكون مضطرا أن يتواصل مع غيره بوتيرة متسارعة في قضايا كثيرة لفترة زمنية طويلة فإنه يسقط بالضرورة في الخصام والعراك ويحصل الاختلاف في وجهات النظر والتوترات النفسية على اعتبار وأن شكل البيت وهندسته والمساحة المخصصة للتحرك فيه لها تأثير واضح على نوعية التماسك العائلي ودور في التنشئة الاجتماعية السليمة لذلك كان البيت الذي يتوفر على مساحة أكبر و فضاءات تسمح لأفراد العائلة بالانزواء والاختلاء بالنفس هو الفضاء الذي يمكن من تجنب الخصومات العائلية ويحقق التماسك الأسري. والمشكلة تزداد تعقيدا خلال فترة الحجر بالنسبة للزوجات اللاتي يعشن مع أزواج عنيفين داخل بيت مساحته صغيرة حيث تكثر درجات الحوار في مواضيع كثيرة ولفترة زمنية طويلة ما ينتج عنه تصاعد حالة التوتر ما يؤدي إلى اللجوء الى استعمال العنف لفض هذه الخلافات الزوجية لذلك فرضت هذه الجائحة وما نتج عنها من إجراء الحجر المنزلي الاضطراري إعادة التفكير في ذواتنا ومساءلة أسس البناء العائلي هل أقيمت العائلة على أسس صحيحة أم على أسس خاوية وإعادة التفكير في العلاقات الأسرية وفرصة للتفكر في الرابطة الزوجية من حيث منسوب الثقة ونوع المحبة المفترضة وحقيقة التماسك العائلى وقابلية الزوجين للحوار والقبول بالآخر وامتحان قيم التعايش والصبر وسعة البال . لقد اكتشفنا في ظل الحجر الصحي أن العائلات أصبحت قريبة من بعضها البعض بصفة كبيرة وأن هذه الفرصة التي توفرت كان المفروض أن تسمح بإعادة اكتشاف نوعية علاقاتنا الزوجية بعد أن سمحت الجائحة ببقاء الزوجين معا لفترة طويلة داخل سقف واحد ليختبرا درجة اللحمة والتماسك القائمة عليها علاقتهما حيث كان من المفروض أن تصلح العائلة من علاقاتها الانسانية وأن تتكثف درجة الاهتمام بأفراد العائلة وأن يزداد الاهتمام الزوجي وأن يقع إبداء نوع خاص من المحبة للزوجة ما يزيد من التماسك الأسري المفضي إلى ارتفاع منسوب السعادة داخل البيت لكن المعاينة البارزة لعديد التقارير حول حالة الوضع الزوجي خلال فترة الحجر الصحي مكنت من الوقوف على تزايد حالات العنف المنزلي منذ أن بدأ فيروس كورونا في الانتشار وهي معاينة لا تهم مجتمعا دون آخر آو بلد بعينه حيث كثفت احصائيات حديثة تعتمد على تقارير الشرطة وخطوط الابلاغ عن تزايد حالات العنف بصفة لافتة بين الأزواج في دول غربية كثيرة كفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية الأمر الذي جعل العديد من المنظمات النسوية في العالم تطلق صيحات فزع من تطور ظاهرة العنف المسلط على الزوجة في فترة الحجر الصحي وخطورة ارتفاع حالات العنف المنزلي وبالنسبة للحالة التونسية فقد كشفت وزيرة المرأة والأسرة " أسماء السحيري " أن معدلات العنف المسلط على النساء في تونس قد تضاعفت خمس مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي نتيجة اضطرار النساء والأطفال للبقاء في المنزل مع المعنف او المتحرش لفترة طويلة. ما يمكن قوله هو أن انتشار الوباء بقدر ما سمح لبعض الأزواج من الاقتراب أكثر واكتشاف ذوات الزوجين لمزيد التواصل المثمر ومزيد تحقيق التمساك الأسري واكتشاف حقيقة العلاقة الزوجية بقدر ما خلفت بالنسبة لبعض الأسر الأخرى الكثير من المآسي والأضرار جراء تصدع العلاقات الزوجية نتيجة تصاعد وتيرة الخلافات وتزايد منسوب الخلافات الزوجية المؤدية إلى تعرض الزوجة إلى التعنيف من طرف زوجها وهي صورة لوضع بعض الأسر من تداعيات الجائحة الوبائية ونتيجة للحجر الصحي التي تعود إلى أسباب عديدة منها صورة البيت ونوعية الهندسة المعمارية التي لا تسمح بالعيش المشترك لصغر المساحة ولفقدان الفضاءات الخصوصية التي من شأنها أن تقلل الاحتكاكات والمواجهات خاصة وأن البقاء في البيت كان لفترة زمنية طويلة وهذه المسألة هي محل متابعة ومراجعة من قبل المهندسين المعماريين وكل المشتغلين على قضايا المستقبل والاستراتيجيات المستقبلية.