عاجل/ موعد انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد داء الكلب    الصخيرة: مشروع اعادة تهيئة ميناء الصيد البحري واصلاحه من شأنه تطوير النشاط الاقتصادي للجهة    وزير الاقتصاد "نتوقع نسبة نمو ب2 % لصادرات النسيج في موفى سنة 2025 "    عاجل/ أسطول الصمود: 127 تونسيا يبحرون نحو غزة    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة النجم الساحلي و مستقبل قابس    نابل: صابة الزقوقو تُقدَّر ب30 طنا وأسعار الكيلوغرام بين 55 و65 دينارا    تونس: كاميرات مراقبة لتأمين المدارس الابتدائية    عائلة تتهم ''شات جي بي تي'' بتشجيع ابنها على الانتحار    العودة المدرسية والجامعية: قُرى س.و.س تدعو للتبرّع لأكثر من 5268 طالب علم    الكاف: العثور على جثة مدير الحي الجامعي ''سيكافينيريا'' في ظروف غامضة    إنتقالات: ثنائي النادي الإفريقي يخوض تجربة إحترافية جديدة    突尼斯对中国游客吸引力显著 直航航线成可持续发展关键    سليانة: تجميع مليون و577 ألف قنطار من الحبوب    بطاقة إيداع بالسجن ضد امرأة انتحلت صفة مرشدة اجتماعية للاحتيال على مواطنين    عاجل/ تم توثيق جريمتها بالفيديو: الاطاحة بامرأة تحرق القطط    كاتب الدّولة المكلّف بالموارد المائية يدعو الى مزيد التّنسيق لاستكمال التّقريرالوطني للمياه لسنة 2024 خلال الشهر القادم    بلدية تونس تحذر أصحاب المحلات والمستغلين للفضاء العام    عاجل/ الكنام: هذه آخر اجال إيداع مطالب تغيير المنظومة العلاجية وطبيب العائلة    أبطال أوروبا: "اليويفا" يكشف عن الكرة الرسمية للمنافسة 2025    الجامعة التونسية لكرة السلة تعلن فسخ عقد مدرب منتخب الاكابر مهدي ماري    مونديال الكرة الطائرة تحت 21 عاما (الدور الترتيبي): هزيمة المنتخب التونسي أمام نظيره الكندي 0 - 3    مشاهد مذهلة لمركبة الفضاء "ستارشيب" تهبط في المحيط الهندي    وكالة الطاقة الذرية تعلن عودة مفتشيها إلى إيران    عاجل/ اسرائيل تعلن اغتيال "رجل المعلومات" في حركة حماس    عاجل/ العاصمة: الإطاحة بمفتّش عنه محكوم بالسجن 120 عاما    جولة سياحية للفنانة أحلام للتعريف بالوجهة التونسية في المنطقة العربية    مقام الولي الصالح سيدي مهذب بالصخيرة ... منارة تاريخية تستحق العناية والصيانة والمحافظة عليها من غياهب النسيان.    مفتي الجمهورية يروي سيرة الاحتفاء بالمولد النبوي بأسلوب عصري    اتحاد الشغل يرد على سيناتور أمريكي: لا للتدخل في الشأن التونسي    عاجل: نشرة إنذارية خاصة...تحذير من رياح قوية تهب على شمال تونس وخليج الحمامات    رئيس الجمهورية يؤدي زيارة فجئية إلى مدينة حلق الوادي    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة مستقبل المرسى    قليبية: سقوط إمرأة وطفلين من لعبة طائرة بفضاء ترفيهي    عاجل: وزارة الصحة توضّح: ترشيد الأدوية لا يعني حرمان المرضى    مهرجانات قرطاج والحمامات وأوذنة محور اللقاء الإعلامي الاول لعدد من المديرين العامين بوزارة الشؤون الثقافية ومديري المهرجانات    عاجل/ تأجيل الإعلان عن قائمة المنتخب الوطني إلى هذا الموعد..    السيجومي: الإطاحة بمجرم خطير محل 17 منشور تفتيش    عاجل/ غزّة: 10 شهداء بسبب المجاعة خلال ال24 ساعة الأخيرة    الاتحاد الأوروبي يحظر جل الأظافر بعد تحذيرات صحية خطيرة    أمطار رعدية بعد ظهر اليوم بهذه المناطق.. #خبر_عاجل    تونس الأعماق ... سطح القمر بالصمار (تطاوين) .. وجهة لحياة الصخور والطبيعة الخلابة    آخر المستجدات حول انتخابات عمادة المحامين: 9 ترشحات من بينها امرأة واحدة    أمراض قد تسببها لدغات البعوض    إعلام عبري يتحدث عن تهديدات لتصفية رئيسين عربيين    عالم يكشف السبب الحقيقي وراء اختفاء السفن في مثلث برمودا    المهرجان الثقافي بسيدي احمد زروق ..ندوات فكرية،مسابقات ترفيهية، وعروض فنية    تاريخ الخيانات السياسية (59) ..الشطار والعيّارون لصوص وثوار 8    ما بقي من الدورة 66 لمهرجان سوسة الدولي...برمجة قياسية برؤية إصلاحية    ارتفاع ملحوظ في عدد السيّاح الصينيين.. #خبر_عاجل    عاجل/ الصحة العالمية تحذّر: هكذا يمكن للحرارة أن تؤدّي الى الوفاة    بعد أشغال ترميمه : المعلم التاريخي جامع بن معزوز بجزيرة جربة يستعيد رونقه وبريقه    سهرة فلكية بمدينة العلوم لمواكبة الخسوف الكلي للقمر    تنظيم الدورة الثانية للصالون الدولي للسياحة الصحراوية والواحية في ديسمبر المقبل    عاجل/ سريعة الانتشار: خبير يكشف أعراض السلالة الجديدة من فيروس كورونا..    عاجل: إنخفاض أسعار لحوم الدجاج بداية من الأسبوع المقبل    أحلام: ''رجّعوني على تونس...توحشتكم''    تاريخ الخيانات السياسية (57) .. .الخليفة الطائع من القصر إلى الحجر    بعد جراحة دقيقة في ألمانيا... الفنانة أنغام تعود إلى مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صالح الحامدي يكتب لكم: في مقاصد الشريعة الإسلامية
نشر في الصريح يوم 11 - 05 - 2020

يقول الله تعالى في محكم تنزيله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) س البقرة 185 , ( ... وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ... ) س الأنعام 119 , ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) س الحج 78 , ( جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) س الجاثية 18 , والشريعة هي الفرائض والحدود والأمر والنهي وهي الطريقة والسنة والنهج الذي أمر الله تعالى بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي جاء عنه قوله : " إن أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة ", " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " ( رواه البخاري ), ونسب إلى الشافعي قوله : "صنفان لا غنى للناس عنهما العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم", وفيه تأكيد على دور العلماء والفقهاء في بلورة مقاصد الشريعة لتحقيق مصالح العباد وصيانتها , وفي هذا السياق جاء إجماع العلماء على أن مقصد الشرع يعني تحقيق مصالح العباد بجلب منفعة لهم أو دفع مفسدة عنهم أو رفع حرج عنهم في معاشهم وفي معادهم (بلغة الفقهاء) في إطار ما أصطلح عليه بمقاصد الشريعة والوسطية والاجتهاد .
وقد خلص العلماء إلى أنه إذا سلمنا يقينا وإيمانا صادقين مخلصين الدين لله جل وعلا وشهدنا بما شهد به سبحانه وتعالى ( شهد الله أنه... لا إله إلا هو العزيز الحكيم , إن الدين عند الله الإسلام ...) س آل عمران 18 و 19 , وإذا تدبرنا القرآن الكريم وتفكرنا في مقاصد الدين الإسلامي الحنيف نجد فضلا عن توحيد الله عز وجل والإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم أن الشريعة الإسلامية المسندة بالكتاب والسنة تشرع العقائد والعبادات وتدعو إلى التمسك بأصول الدين وأركانه وإلى إحكام ترتيب شؤون العباد في حياتهم الدنيوية والأخروية من خلال تحقيق مصالحهم والحفاظ عليها .
وكان الإمام أبو حامد الغزالي من أكبر المنظرين لمقاصد الشريعة فاختصرها في خمسة أصول ضمن كتابه ( المستصفى ) مبينا أن " مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم, وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة ", ورتب الإمام الغزالي هذه الأصول ضمن الضرورات وسماها "الكليات الخمس" لأن كل الأحكام الشرعية تؤول إليها وتسعى للحفاظ عليها, وهذه الأصول الخمس هي:
° الدين وهو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التي شرعها الله تعالى وقصد بها إقامة الدين وتثبيته في القلوب باتباع أحكام أمر بها واجتناب أقوال أو أفعال نهى عنها على معنى الآية الكريمة ( شرع لكم من الدين ما وصى به ... أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) س الشورى 11 .
° النفس ويعنى بها النفس البشرية التي خلقها الله جل وعلا وشرع لها الزواج للإبقاء عليها وعلى النوع البشري, وسخر لها أسباب البقاء من ضرورات المأكل والمشرب والعلاج واللباس والسكن, وأوجب دفع الضرر عنها لحمايتها من الإتلاف ( ... ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ... ) س البقر ة 195 .
° العقل الذي جعله الله سبحانه وتعالى للإنسان ليفقه بت ويميزه على باقي المخلوقات وأمر بالحفاظ على سلامته معتبرا كل ما يمكن أن يلحق به الضرر كالمسكرات ونحوها رجسا من عمل الشيطان وأمر باجتنابه كما جاء في الآية 90 من سورة المائدة ( ... ) .
° النسل الذي أمر الله تعالى بالحفاظ على طهارته حماية لأعراض الناس فحرم الزنا ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) س الإسراء 32 , وحرم زواج المؤمن من زانية أو مشركة وتزويج المؤمنة من زان أو مشرك ( ... وحرم ذلك على المؤمنين ) س النور 3 .
° المال وهو ما سخره الله عز وجل للإنسان للسعي وراء الرزق والكسب الحلال, فأباح له التجارة والمعاملات المشروعة مثل البع والشراء لنماء المال وحرم عليه الربا لحماية المال والحفاظ عليه, وفرض الزكاة وسن الصدقة لتزكية المال وإنمائه ( ... وأحل الله البيع وحرم الربا ...) ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ... ) س البقرة275 و276 .
واعتبارا لطبيعة الضرورات والحاجات البشرية وتنوعها وتجددها مع تطورات الأحوال واختلاف البيئات يرى العلماء المعاصرون أن مقاصد الشريعة تتسع إلى ضرورات عامة أوسع من الضرورات الخمس مثل تحقيق الأمن وإقامة العدل والتكافل الاجتماعي وتنظيم الحقوق والحريات العامة وكلما ييسر حياة الناس ويرفع الحرج عنهم ويتمم لهم مكارم الأخلاق ويهديهم للتي هي أقوم في الآداب والأعراف والنظم والمعاملات , وفي هذا السياق جاءت مقاربة العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله ضمن كتابه (مقاصد الشريعة) وهي تتسم بالشمولية انطلاقا من مفهوم الفطرة التي خلق الله تعالى الإنسان عليها على معنى الآية الكريمة ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) س الروم 30 , وهي " "جملة الدين في عقائده وشرائعه" وجاءت الشريعة لحمايتها ومنع إفسادها, ويرى العلامة ابن عاشور أن من مقاصد الشريعة أن تنفذ في الواقع وتحترم وتمتثل لها الأمة في إطار مسلك الحزم في إقامة الشريعة (تلك حدود الله فلا تعتدوها) .
ومن سيمات وخصوصيات هذه المقاربة الربط بين المصالح الجزئية والمقاصد الكلية والنظرة الشمولية والمعتدلة لكل أمور الدين والدنيا ووصل النصوص بواقع الحياة وبروح العصر وتبني نهج التيسير والسماحة, ومن هنا جاءت قواعد "رفع الحرج" و "المشقة تجلب التيسير" و"تشريع الرخصة في حالات الاضطرار", وذلك هو أساس الوسطية في الإسلام كما أسس لها الدين الإسلامي الحنيف من خلال اعتماد السماحة والاعتدال واجتناب المغالاة والتطرف وحدة العاملة, والوسطية من خاصيات الأمة الإسلامية ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ... ) س البقرة 143 , وهي من نعم الله عز وجل على المسلمين, وهي أعدل المسالك وأصوبها, فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير, بل وسط في المعتقد وفي العبادة وفي الأخلاق والآداب والسلوك وكل شؤون الحياة, ويبرز العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور كرائد من رواد الوسطية في الإسلام ويعود له التأصيل المقاصدي للوسطية وهو معروف بفكره التجديدي في مقاصد الشريعة , ويشهد به في الفكر الوسطي خاصة من خلال تناوله لمفهوم السماحة كتعبير عن الوسطية وهو يعتبر مراعاة الفطرة من حكمة السماحة لميل الإنسان بفطرته لليسر والرفق في المعاملة, والسماحة في نظره من "يسر المعاملة في اعتدال" .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه, اللهم وفقنا إلى السماحة والاعتدال واجعلنا من القائمين بديننا السمح على الوجه الذي يرضيك عنا وبما يحقق منافعنا ويحفظ مصالحنا الشرعية حتى نظفر بالسعادة في الآخرة والأولى بفضلك ومنك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين, الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.