شخصيا، أصنف الديموقراطية المباشرة ضمن خانة الشعبويات المهددة لكيان الدولة وأسسّها، و هي تقريبا ما جسده القذافي في ليبيا من جماهيرية ولجان شعبية لم تستطع أن تملأ الفراغ الذي حصل بمجرد زوال الحاكم. فلنتخيل سويا ما يطرحه أصحاب نظرية الديموقراطية المباشرة في تونس وما يمكن أن ينجر عنه: 1 لنفترض حل جميع الأحزاب التونسية ، فهل برأيكم سيتخلى النهضاوي أو الدستوري أو التياري أو القومي أو اليساري أو غيرهم من المتحزبين عن انتمائاتهم الباطنية! 2 لنفترض انتخابات مباشرة من القاعدة الى القمة تطبيقا لشعار " الشعب يريد": ألن نجد أنفسنا أمام مجالس محلية و جهوية و وطنية ، هي عبارة عن "موزاييك" حزبي مقنع يستحيل معه أخذ القرار بالأغلبية ، نظرا و كما ذكرناه أعلاه لعدم انتفاء الانتماءات الباطنية و ربما أيضا تواصل التنسيق الجماعي الحزبي المقنع!!! تخيلوا عمليا في هذا الإطار مجلس منتخب يضم نسب متقاربة من أنصار حزب العمال و أنصار الدستوري الحر و أنصار النهضة ...الذين و كما قلنا سابقا ، لن يتخلوا عن انتماءاتهم الحزبية بمجرد حل الأحزاب!!! ( مع الملاحظة أنه يمكنك في ظل الديموقراطية الحزبية التمثيلية أن تغير القانون الانتخابي على سبيل المثال من أجل تيسيير حصول أغلبية حاكمة قوية ، على عكس الديموقراطية المباشرة التي لا تملك أمامها لا حول ولا قوة و نتائجها في غالب الأحيان إن لم نقل جلها ، لا تفرز أغلبية واضحة و قوية). انه الانسداد يا صديقي ، الذي يسعى إليه الفوضويون les anarchistes من أجل ضرب أسس الدولة و مؤسساتها ، ليجسدوا فيما بعد نظرية حكم الشعب نفسه بنفسه و دون الحاجة لسلطة تحكمه، ف »الشعب يريد"!!! انها الفوضى العارمة يا صديقي، وخراب دولة المؤسسات، أما أسلوبها فيمكن تشبيهه بخيار مناعة القطيع في مواجهة الكوفيد 19 ، و لكم ان تتخيلوا حجم الخسائر و ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في مقابل مناعة قطيع غير مضمونة التحقق و النجاح . ( رجاءا ، لا تقارنوا على سبيل المثال مع شعب سويسري غني و"شبعان" و غاية في التحضر و الانضباط و الألتزام!!! و يوم تصبح الدولة التونسية و شعبها في مستوى ما وصلت إليه سويسرا ، سأنادي معكم بالديموقراطية المباشرة...) حاولت أن أبسط المسألة قدر المستطاع ولكني أدرك أن كثيرا من الأشخاص من الذين لا يميزون بين الغث و السمين لمستعدون للمضي قدما في اتجاه ما يخطط له الفوضويون ، فقط لأنهم و حسب قولهم يثقون في شخصية ما!!! سندافع عن الديموقراطية التمثيلية وعن دولة المؤسسات ما استطعنا و لكن اذا اصرت غالبية ما ,ممن لا يدركون أنه "بقري الا بالكرشة" على تقبيل الحائط، فلها ولنا للأسف ذلك ...