بدايةً وليس نهايةً، كلُّ الشكر والتقْدير، للأستاذ الفاضل: السيّد صالح الحاجَّة – (الصَّحَفِيّ التُّونسيّ) اللّامِع – صاحب المَوقع المتميّز، والذي بَزَّ كثيرا من المواقع الغَثَّة.. وهي تلك التي لا تَخْدِم قَضايا الأمّة، وبالتالي فهي لا تُسْمِنُ ولا تُغْني من جوع.. فَهَنِيئًا لهذا (الرّجُل) المُرابِط في سبيل نَشْر المعرفة، وإثرائها بالمعلومة.. المُهِمَّةِ.. ولإفادة الناس بها من خلال موقعه الصريح والفصيح. كما أُثَنّي بعلّامة تونِس الخضراء في عصرنا الحديث.. فضيلة الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي.. حفظه الله جَمَّا.. وحَبَاه وحيَّاه.. وهو رفيقُ علماء الزَّيتونة الأبرار، على مَدَى دُهُور، والكادِحُ في خدمة الدِّين، والمِعْطاءُ بما يُقَدِّمه للنشء المتعطش للعلم.. والمعرفة.. والثقافة بألوانها وأنواعها.. وذلك بالوسائل العديدة والمُتاحة له.. أجلُّها: (مجلّة جَوْهر الإسلام) الغرّاء، والتي ما تزال تَصْدُر مُنْذُ (52) عاما. وبالمُناسَبَة، أُحِبُّ أن أشْكُرَه أيضا على ما حبَّرَه مِنْ (حلقات) مُضَاعَفَة في هذا المَوْقع الظريف منَ الصَّرِيح، عن قِمَمٍ مِنْ حُفَّاظ القرآن الكريم في تونِس الزَّيتونة، وقد رحلوا عنّا من الدّار الفانية، إلى الدّار الباقية.. وهو يكتب هنا - جزاه اللهُ خيرا وأثابَه - إحياءً لمَآثِرِهم الجليلة، وعنايتهم الجميلة، بنشرهم القرآنَ الكريم: ( تعليما وتَحْفيظا.. وإقراءً وقراءةً): زمانا ومكانا. وهذا التَّنْوِيهُ منه بأشْخاصِهم، لا يُستَغْرَبُ منه، فإنَّ والدَه الرَّاحل، العلّامةُ المُصلِحُ: الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله وطَيَّبَ ثراه.. كان أمينَ عام (جَمْعِية المُحافظة على القرآن الكريم) عند تأسيسها في أواخر الستّينيات من القَرْن المُنْصَرِم بتونسَ العاصمة. ثمّ وجدتُ الشيخَ الفاضل – بارك الله فيه وفي علمه – يَتَطَرَّقُ في هذا الشَّأْن، إلى "كتاباتي عن القرآن الكريم"، لكن في موضوع آخرَ خطيرٍ تَحْدِيدا: وهو كتابَته بحروف غيرَ عربيّة: لاتينية وأعجميّة.. وهي هَجْمَة عصريّة من نوع آخر، يَحدثُ في هذا الزّمان القاهِر.. لكنّي أحبّ أن أُنيرَ لمن يَقْرَأُ لي ويُتابعُني فيما أكتُبُه مِن (خواطِرَ رمضانية)، وهو أنَّ ربّي جلَّ جلالُه، وعمَّ نَوَالُه، وفَّقني وهَدَاني إلى تَصَدِّي فِتْنَة تَحْرِيف نصِّ القرآن بعَيْنِه، وهو بلا شكّ اعتداءٌ سَافِر على رَسْمِه وضَبْطِه وتَبْدِيل حُرُوفِه العربية التي أُنزلَ بها، إلى غيرها مِن حروف لا تُساويها؛ بِزَعْمِ تَسْهِيل تِلَاوَتِه على مَنْ لَم يعرِف اللُّغةَ العربيّة، أو لمن اعتنقَ الإسلامَ حديثا. بدأتُ أُتابعُ هذا المَوضوعَ الهدَّامَ للمُصحفِ الشريف، وفي نصِّهِ المُقَدَّس منذُ عامَ (1985م) أي قبلَ (35) سنة.. وكنتُ قد رفضتُ في البداية: المُحاولاتِ الجَرِيئَة والخَبِيثَة في آنٍ، المُتمثلةِ في كتابَته لبعضِ الآيات المَبْثُوثَة في كُتُبٍ دينية محدودة باللُّغاتِ الأجنبية؛ ثمّ عَثَرْتُ مِن خِلال مُتابَعتِي المُسْتَمِرّة، فوَقَعْتُ على كُتُبٍ غيرها تَخْتَصُّ ب "العبادات"، تَضَعُ قصارَ السُّوَرِ بالحروف اللَّاتِينِيَّة: كالفاتحة والإخلاص والمُعَوِّذَتَيْنِ.. فَأَسِفْتُ كَثِيرا لهذا العَبَثِ السّافِرِ، ولَمَّا أَمْعَنْتُ في مَأْتاهُ وجدتهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ المَطَابِعِ وَمَتَاجِرِ الكُتُب منَ العَرَب، وليس مِنْ صَنِيعِ الأجانِب ممّن يَعْتَنِقُون الإسلامَ. فَعَزمتُ على الإشعارِ بخُطورةِ هذه الإهانةِ والتَّعَدّي على نصّه، سَوَاءٌ على المنبر، أو في برامجي الإذاعيّة، وكذلك أثناءَ الدّروسِ الأسبوعيّة، ليُقاطِعُوا هذه الكُتبَ والكتاباتِ: اقتناءً أو قراءة، أو تَعَلُّما وتَعْلِيما، إمّا لأنفُسِهمْ عامَّةً أو أبْنائهم خاصَّةً، لأنّ فيها تَحْريفا بَيِّنًا لنَصِّ القُرآنِ: كِتَابَةً وقِراءة، ثمّ تَغْييرا لحُروفه العربيّة التي أُنْزِلَ بها، وتَحْسيسًا بأهَمِّيَة تعلُّمِ اللّغة العربية. ثمّ أَعْدَدْتُ بعد ذلك، وأقمْتُ (نَدوَة)، انْعَقدتْ في باريس بتاريخ (19 شوّال 1408ه = 4/6/1988م).. ولمّا تَوَسّعَ الرَّقْعُ على الرَّاقِعِ، واسْتَفْحَل التغييرُ، واسْتَشْرى التبديلُ، بظهور (طبعةٍ وطبعتين وأكثر) مِن مُصحف تامٍّ مكتوبٍ بالحروف اللاتينيّة. فَتَوَلَّيْتُ بيانَ خُطورة هذه المصاحف الرَّدِيئَة لأصحاب المَكْتَبات العربيّة، وأن لا يَنْساقُو إلى رِبْح المال مِن وراء بَيْعِها، فإنّه غيرُ حلالٍ شَرْعا مع ما فيه منَ الإثْمِ المُبين. كما قُمْتُ بإعداد (نَدْوة) ثانية – بعد مُرورِ ثلاثين عاما على إقامة الندْوة الأولى – وذلك بتاريخ (4 رمضان 1439ه = 20 ماي 2018م).. وقد حضرها أعْلامٌ مِن أئمَّة المساجد، وبعض العُلماء، والمُتابعين والمُهتمّين بمسيرة القرآن وتعليمه في باريس وضواحها. وكان من بين الحضور في هذا الجمع الكريم فضيلة الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي حفظه الله باعتباره عُضوا خبيرا في مجمع الفقه الإسلامي بجدّة، ليتابع عن كَثَبٍ ما يُحاك عن القرآن الكريم، الوثيقة الخالدة على مرّ العصور والدهور في القارّات الخمس. وأحِبُّ هنا بالمُناسبة أن أٌثَمِّنَ ما حَبَّرَهُ فضيلةُ الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي حفظه الله بتَحْسيس أعمالي في خدمة القرآن الكريم خصوصا في المَسَار الذي وصفَه وخصّصه بمقال مَنْشُور.. وزيادةً عمّا قاله، فقد وضعتُ كُتُبا عديدة في الدّفاع عن القرآن الكريم، وصلتْ إلى (سِتّة) أوّلُها بعنوان: (كتابة النّصّ القرآني بالحروف اللاتينية خطر داهِمٌ على المُصحف العُثْماني) صدرَتْ طَبْعَتُه الأولى عامَ (1407ه = 1987م).. وآخرها رسالةٌ جليلة صدرتْ بعُنوان: (الفَتوى الشّرعية.. في تحريم كتابة السُّوَرِ والآيات القُرآنية بالحروف اللاتينية.. الصّادرةِ بالإجماعِ عن مجلسِ الإقراءِ والقُرَّاءِ بدمَشقَ الشّام) طُبعتْ سنة (1438ه = 2017م). كما أنّي أُنَبِّه أنّ هذا الموضوعَ الذي اهتَمَمتُ واعتَنَيتُ به، هو غيرُ موضوع (ترجمة مَعاني القرآن الكريم) إلى اللّغات الأجنبية. وفي الختام أقول، ومن الله تعالى الرِّضا والقبول، وبه وحدَه التّوفيقُ، ومنه الوصول إلى التحقيق: أنّي أَشتَغِلُ (حاليا) بإعداد الكتاب الذّهَبِيِّ بعُنوان: اِجتماع الأُمّة مِن العلماء والأئمّة..ودُورِ الإفتاءِ.. والمجالس العلمية.. والمَجامِع الفقهية على حُرمة القرآن وصَدِّ الإعتداء عليه باللّسان والبيان: دِفاعا عنه