لعل قراء الصريح يتذكرون ذلك المقال الذي كتبناه في استقبال شهر رمضان وها ان شهر الصيام على ابواب الرحيل فلا افضل من توديعه بشيء من الكلام النافع الجميل وقد اخترت في هذا المقام لقرائنا الكرام شيئا مما كتبه المرحوم محمد عبد الله دراز في هذا التوديع من رفيع وجميل الكلام يقول الدكتور(حيث يؤذن رمضان بالرحيل لا نملك الا ان نقول يا سبحان الله ما اسرع ما يطوى العمر وما اعجل ما تنقضي الأيام والليالي كانها اوراق الخريف عصفت بها ريح القدر وهل الحياة كلها الا لحظات محدودة وانفاس معدودة تغر الناظرين اليها في ساعة اقبالها فاذا ادبرت فانما هي حلم من الأحلام وانما البقاء والدوام لمن له البقاء والدوام (كل شيء هالك الا وجهه )... شهر رمضان اين هو شهر رمضان؟ الم يكن منذ ايام قريبة بين ايدينا الم يكن ملء ابصارنا؟ الم يكن هو حديث منابرنا وزينة منائرنا وبضاعة اسواقنا ومادة موائدنا وسمر انديتنا وحياة مساجدنا فاين هو الان؟ اي شهر رمضان؟ ما ابعد الشبه بين يوميك يوم قدومك ويوم رحيلك لقد كان يوم اقبالك يوما تفتحت له عيوننا وقلوبنا فاستقبلناك بملء النفس غبطة واستبشارا واملا استبشرنا بعودة مجالك الطهور الذي تسبح فيه ارواحنا بعد جفافها وركودها واستبشرنا بساعة فيك اصطلحنا فيها مع ربنا بعد طول اعراضنا واباقنا وكم تمنينا ان نكون اوفياء على برك ورفدك اما اليوم فاننا نودعك وملء النفس وجل وخجل اشفاق وقلق لا ندري الى اي مدى كان وفاؤنا بواجب العمل والى اي مدى كان تحقيقا لفسيح الأمل فليت شعري كيف وجدتنا وماذا عسى ان تكون حملت معك من ذكرياتنا ..,) نعم بهذه الكلمات وهذه الجمل المؤثرة يودع الصالحون المتقون ايام شهر رمضان العطرة النيرة ولكن نقول ونشهد مع الاسف والحزن الشديد ان العديد منا والكثيرين الذين اجتهدوا ان يكونوا في هذا الشهر العظيم من الصائمين والقائمين والمتهجدين يودعون شهر رمضان فرحين مستبشرين انهم سينطلقون متهافتين ومسرعين بعده الى ما كانوا عليه قبل حلوله من المعصية ومخالفة اداب واوامر الدين ومنهاج وسيرة الصالحين وما جاء في ايات كتاب الله المكنون فهل بمثل هذا التوديع وهذه النوايا يرجون حقا ان يتقبل الله منهم الصيام والقيام وهم مطمئنون فرحون؟ اوليس هذا الرجاء من قبيل الأماني التي تدخل في مجال مستحيلات الوقوع ومجال اضغاث الأحلام التي لا تسمن ولا تغني من وجوع ؟ وهل جهلوا ام نسوا ام تناسوا ام استهتروا بم يستفاد من ذلك الحديث النبوي الشريف الصحيح المرفوع الذي سمعناه من الشيوخ وقراناه في الكتب(رب صائم ليس له من صيامه الا العطش والجوع ورب قائم ليس له من قيامه الا التعب)؟ فاللهم اجعلنا من المحافظين على اداب الصوم الصحيح المقبول في رمضان وفي غير رمضان وقونا على ترك المعاصي في كل مكان وفي كل زمان واغفرلنا وارحمنا بواسع وعظيم رحمتك واعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.