كلّما تحدّثت عن هبوط مستوى كلمات أغلب أغاني هذا الزّمن و سذاجة ألحانها و ضعف أصوات مغنّييها حتّى بعد إضفاء التّحسينات عليها و تصليح عيوبها بعملية تقنية بحتة يقوم بها مهندسو الصّوت لتعديله وإخلائه من كلّ نشاز أو تعثّر في الإيقاع، كلّما تطرّقت، إذن ، إلى هذا الموضوع إلّا و تهاطلت عليّ الإرساليات الفايسبوكية والإتّصالات الهاتفية تلومني على ذلك معتبرة نقدي لهذا النّوع بالذّات من المهازل الغنائية تجنّيا منّي على الحداثة التي تستوجب ، حسب رأيهم ، الإتيان بمقاييس جمالية فنّية جديدة وإبتداع هندسة موسيقية و شعرية ثورية بديلة لا تخضع لقواعد الغناء والعزف والتلحين والشّعر المعهودة المضبوطة القديمة...!!! فحرّية التّعبير عندهم تسمح لأيّ كان ب«خربشة" أيّ كلام و " تلفيق " أيّ ألحان ثمّ بيعها بأغلى الأثمان لأصحاب و صاحبات أصوات لا علاقة لهم أصلا بالغناء السّليم و لا بأبسط قواعد التّعامل مع المصدح و العازفين و حتّى الجماهير .... هم يركّزون فقط على المظهر أو ال »look" كما يقولون ، ولا يهمّهم كيف أو ماذا أو أين يغنّون.... النّشاز بالنّسبة لهم زينة وخصوصية، والتّهريج الرّكحي ميزة من ميزات العروض الفرجوية العصرية، والتّصريحات العنيفة البائخة المتجنّية ركيزة من ركائز "فنون الإثارة" و كسب الشّهرة الحينية الواسعة المدْوية... أحيانا أشكّ في نفسي و أحاول فهم منطقهم لعلّني أجد في ما يقولون و يغنّون ويتصرّفون أشياء معقولة و مقبولة لربّما فاتتني أو تفوق قدرات مستوى فهمي ، لكنّني وفي كلّ مَرّة أزيد إقتناعا بأنّني كنت على حقّ و أنّ المسار الفنّي الذي ينتهجونه و يصرّون على تقديمه كبديل لما سبق، ما هو إلّا كتلة من الضّجيج و النّشاز و التّفاهة وجميع مسبّبات الضّجر والقلق والأرق......