لقد كتب اخونا ومطربنا المتمكن المثقف والفنان الاصيل المؤدب المتواضع عدنان الشواشي منتقدا وغاضبا من (الفخفخة الزائدة) التي وقع فيها بعض بل اكثر المطربين المغروين في هذه السنوات الأخيرة الذين لا يستحقون ولو ربع او عشر ما اطلق عليهم من الألقاب الفخمة الكبيرة كسلطان الطرب وامير الطرب الى غيرذلك من الالقاب التي اصبحت تطلق جزافا من باب الجهل والنفاق والتملق والكذب وهل يستحق احد من المطربين اليوم مثل هذه الألقاب وهو يقارن نفسه في ساعة صدق ذاتية مع من سبقوه من الفنانين والمطربين العظام الأقطاب الذين سحروا الناس باعذب واجمل واروع الكلمات والألحان والأنغام؟ ومن اعجب واغرب ما سمعت في اخر هذه السنوات ان احدهم قد قال ولست ادري هل كان واعيا بما يقول انه افضل من المطرب عبد الحليم حافظ رحمه الله احد عباقرة الغناء الذين قل ان يجود بمثلهم الزمان وها ان هذا القائل المسكين قد نسي اليوم وقد نسيت اغانيه وهو في عز الحياة ولم يعد له ذكر لا في بلاده ولا في غيرها من البلدان ولقد جاءنا يوما الى تونس وغنى مباشرة امام الجماهير ولما رايناه يهتز وينتفض ضحكنا وخلناه مع الأسف الشديد طائرا صغيرا لا يحسن الغناء ولا يحسن التغريد ولا حتى مجرد الصفير وشتان بينه وبين قدرة ونبوغ ومقام عندليبنا الأسمر التاريخي الخالد صاحب الصوت الجميل والمشاعر الصادقة ورسوخ القدم واحكام الصنعة وتمام الموهبة الربانية في الأداء وفي التاثير وفي حسن التبليغ وفي قوة التعبير... امر بعد هذه المقدمة الضرورية او هذه القاطرة لاصل الى بيت القصيد في هذه الخاطرة فقد ذكرني ما كتبه اخونا عدنان عن هذه الفخفخة الزائدة المصطنعة المكذوبة الخاطئة التي يتصف بها اغلب المطربين اليوم ان صح ان نسميهم حقا مطربين قلت لقد ذكرني مقاله هذا بنقيض هذه الفخفخة وهي طبعا اخلاق التواضع والحياء والصدق والاتزان الذي كان يتمتع به مطربونا وفنانونا الحقيقيون ايام زمان فقد سمعت باذني اللتين سياكلهما يوما الدود والتراب ان عم الهادي الجويني رحمه الله صاحب الألحان الخالدة الشجية والعبقرية الساطعة التاريخية وهو يتحدث عن رحلته الى مصر ولقائه التاريخي بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب فقد قال رحمه الله انه التقى بالفنانة العظيمة حسيبة رشدي رحمها الله وقد سبقته في ذلك الزمان الى مصر وربطت هناك علاقات مودة وصداقة مع اقطاب الفنانين فاقترحت عليه زيارة الفنان محمد عبد الوهاب في بيته فلبى النداء واصطحبته حسيبة الى منزل هذا المطرب العظيم فاستقبلهما احسن استقبال ثم اقتربت منه حسيبة واسرت اليه انها قد اصطحبت معها الى منزله المطرب التونسي الهادي الجويني فما ان سمع عبد الوهاب بهذا الاسم حتى رفع صوته وقال(الأستاذ الجويني في بيتي انني معجب بالحانه وصوته العذب الجميل...فما كان من عم الهادي الجويني رحمه الله الا ان رد عليه بقوله العفو العفو يا استاذ انت تقول في هذا الكلام محمد عبد الوهاب وما ادراك من محمد عبد الوهاب يتحدث عني... لقد حدثنا الجويني رحمه الله عن هذا اللقاء بكل تواضع وحياء بصوته العذب المنخفض وهو في آخر أيام شيخوخته ولم ينتفش او ينفخ صدره كما يفعل ذلك ادعياء الفن اليوم وهم يتحدثون عن تفاهات وسخافات يريدون بها الرفع من شانهم امام المشاهدين والمستمعين والمستمعات فليتهم يعلمون ويا ليتهم يتذكرون ويا ليتهم يتاكدون انهم لا ولن يساووا شيئا حقيقيا ذا قيمة وذا بال مقارنة بالفنانين والمطربين الحقيقيين السابقين الخالدين العظام امثال الجويني والرياحي وحسيبة وصليحة والترنان والقلال والمقراني ذوي العبقرية والنبوغ والقدوة الحقيقية لمن اراد الارتقاء في مجال الغناء والألحان... فدعكم ايها المطربون الصغار من القاب سلاطين وأمراء الفن والطرب وعليكم بمزيد الاجتهاد والتواضع والصدق حتى لا يتهمكم عقلاء الناس بالغرور والتنطع والتهور والكذب وأولى لكم ان تستفيدوا من علم ومن اخلاق ومن موهبة من سبقوكم في هذا الميدان اذا اردتم حقا ان يحترمكم الناس كما احترموا من سبقوكم فاسندوا اليهم حقا القابا عظيمة خلدت ذكرهم حقا وفعلا ولم يجرؤ احد من العقلاء ان ينزع منهم الى اليوم هذه الألقاب فهل هناك من لا يعرف في هذا الزمان كوكب الشرق والعندليب الأسمر والبلبل الحزين وموسيقار الأجيال وهل هناك عاقل يقبل اليوم اويصدق من يطلق على غيرهم مثل هذه الألقاب يا اهل العقول ويا اولي الألباب؟