هل نحمد الله على أن اللائحة التي كانت وراءها عبير موسي قد سقطت ولم تحظ بالعدد اللازم من الأصوات لتمريرها بعد أن انكشفت حقيقتها الموالية للأنظمة المعادية للديمقراطية التونسية ؟ وهل نحمد الله على أن البرلمان التونسي لم يصادق على ما اعتبر إدانة للتدخل الأجنبي في ليبيا بعد أن تحايلت رئيسة حزب الدستوري الحر على بعض الكتل البرلمانية وأحالت مضمون لائحتها بعد تعديلها على قرار البرلمان العربي المصطف وراء المحور السعودي الاماراتي المصري المعادي للثورة التونسية؟ هذا تقريبا الانطباع العام الذي حصل للكثير من المتابعين لما حصل ليلة 3 جوان الجاري في مجلس نواب الشعب و الذي دامت أشغاله لقرابة العشرين ساعة خصصت لمناقشة اللائحة التي تقدمت بها كتلة عبير موسي الرامية إلى إدانة التدخل التركي في ليبيا وما حصل بعد ذلك من تعديل لمضمونها بحذف الإدانة الصريحة لتركيا طالما لم تذكر كل الجهات المتدخلة واستبدالها بالإحالة على الفقرة الأولى من قرار البرلمان العربي المؤرخ في 15 جانفي المنصرم والذي جاء فيها أن البرلمان العربي يدين قرار البرلمان التركي تفويض الرئيس أردغان إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا بما يعني أن عبير موسي أرادت أن تجر البرلمان التونسي إلى صراع المحاور و تبني موقف من النزاع في ليبيا يكون مستندا على مرجعية غير تونسية في ضبط السياسة الخارجية وتحديد الموقف من الصراع الليبي وهي سابقة أولى من نوعها أن لا تقع الاشارة عند صياغة المواقف التونسية من القضايا الدولية إلى المرجعية الوطنية وإلى ما أقرته مؤسسات الدولة. فما حصل في تلك الليلة في قبة البرلمان يعد فضيحة بكل المقاييس والمعايير وسقوط مدو لبعض الأسماء الحزبية المحسوبة على الخط الثوري وبعض الأحزاب السياسية المعروفة بانتمائها إلى الخط المعادي للأنظمة الرجعية وهو خطأ وقعت فيه بعض الكتل البرلمانية حينما سقطت في الفخ الذي نصبته لهم عبير موسي حينما أرادت جر الجميع إلى المحور السعودي الاماراتي المصري وهي توهم الجميع بأنها تعارض وتندد بالتدخل التركي والمحور القطري فانساقت الكثير من الأسماء وراء عماها الايديولوجي وتخندقت مع سليلة حزب التجمع المنحل المنقلب على الزعيم الحبيب بورقيبة في معركة إسقاط الغنوشي من رئاسة البرلمان بسبب مهاتفته لفائز السراج بعد سيطرة قواته على قاعدة " الوطية" العسكرية والذي فهم منه اصطفافا وراء المحور التركي القطري. قد نختلف مع حركة النهضة وقد ندين موقف راشد الغنوشي ولا نقبل بالانحياز إلى أحد شقي النزاع وأحد المحاور الخارجية المتصارعة فوق الأراضي الليبية ولكن كل ذلك لا يمكن أن يكون على حساب الانتماء الوطني ومن دون الرجوع إلى المرجعية التونسية في تحديد المواقف الخارجية لقد كان من المفروض على الكتل البرلمانية التي قررت التصويت على اللائحة التي تقدمت بها كتلة الدستوري الحر أن تتفطن إلى أن عبير موسى لم تؤسس لائحتها على المواقف التونسية ولا على بيانات الخارجية التونسية وما استقرت عليه المؤسسات الوطنية وإنما قد بنت مضمون لائحتها على ما أقره البرلمان العربي الموجود مقره في مصر ونحن نعلم طبيعة النظام المصري وموقفه من الثورات العربية والذي يهيمن عليه مجلس الشورى السعودي المعين أعضاؤه من طرف الملك السعودي وموقفه معروف من الديمقراطية التونسية التي يعتبرها تهدد عرشه وخطرا على كل العروش الخليجية بما يعني أن عبير موسي باعتمادها على مرجعية خارجية وتجاهلها للمرجعية الوطنية قد تنكرت لثوابت الدولة التونسية وللأعراف الدبلوماسية التي دأبت عليها مؤسسات الدولة في اتخاذ مختلف القرارات والمواقف من شتى القضايا فكيف يقبل من يدعون معارضتهم لحزب التجمع الذي تخلى عن الوطنية في الكثير من القضايا وباع البلاد للأجنبي ولعل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي لسنة 1995 والذي دمر بها نظام بن علي الصناعة الوطنية خير دليل على ذلك يسمحون لأنفسهم ويقبلون بأن تكون برلمانات رجعية لا تؤمن بالديمقراطية وتكرس الاستبداد أن تكون مرجعا لمواقفنا الوطنية ؟ وكيف يمكن لأحزاب كانت تعارض الاستبداد كالتيار الشعبي وغيره يقبل بأن تكون عبير موسي المحدد لمن هو وطني ولمن هو ضد مصلحة البلاد ؟ وكيف يمكن لهذه الكتل البرلمانية التي انساقت وراء لائحة العار أن تقبل أن تكون عبير موسي هي من يحدد قاعدة الفرز الوطني ؟ لقد كان من الأجدى إذا أردنا أن نصوغ لائحة نندد بها بكل تدخل أجنبي مهما كان مأتاه ودون تغييب لأي طرف أجنبي أن نؤسس موقفنا الوطني على المرجعية التونسية في تحديد السياسة الخارجية وأن نعتمد على ما أقرته المواقف الرسمية لمؤسسة الرئاسة وعلى لوائح الخارجية التونسية وبيانات ومواقف مؤسسات الدولة. لقد كدنا نقع في كارثة قاصمة الظهر لو تم تمرير هذه اللائحة بتلك المرجعية التي اعتمدتها وكدنا نقع في فضيحة مدوية تجعلنا نخسر كل شيء بعد أن تصبح جهات خليجية لا تؤمن بالديمقراطية ولم تعرف يوما انتخابات حرة ولا مارست حرية الرأي والتعبير هي المرجع الذي يحدد مواقفنا من مختلف القضايا التي تشغلنا. لقد أرادت عبير موسي وهي في ذلك وفية إلى تاريخها ومواقفها الموالية للأنظمة الاستبدادية أن تجر الجميع إلى مربع الاصطفاف الخارجي ومربع تجاهل كل ما هو وطني وكل ما هو خصوصية تونسية بتغييبها لأي موقف تونسي من الصراع الليبي حينما تعمدت تجاهل المواقف الرسمية للخارجية التونسية ولمؤسسات الدولة ولم تحل في تعديل لائحتها على ما استقرت عليه مؤسسة الرئاسة من مواقف تخص الملف الليبي. ما حصل في موضوع اللائحة اللغم هو أن البرلمان التونسي كان على وشك أن يتبنى موقفا من الصراع الليبي ينزع عن أعضائه كل انتماء وطني ويجعل نوابه يسقط عنهم كل انتماء لتونس بعد أن يتم التنكر للمرجعية التونسية في تحديد المواقف من القضايا الخارجية وتصبح الأنظمة المعادية للديمقراطية مرجعا لنا.