رغم تراجع الصادرات... دقلة النور تواصل ريادتها في السوق العالمية    النجم الساحلي ينهي علاقته التعاقدية مع المدرب لسعد الدريدي    مهرجان بغداد السينمائي يكرّم السينماء التونسية    التنوع سمته البارزة.. مجلس هيئة المحامين... في مستوى الآمال    مونديال الكرة الطائرة بالفلبين...هزيمة أمام إيران وصراع الخميس مع مصر    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي مطالب بالتغيير    القيروان: يتعاطى السحر والشعوذة ويقصدونه من الداخل والخارج وفاة العرّاف «سحتوت» بعد شرب مبيد حشري    في الملفين الفلسطيني والأوكراني.. أمريكا وسيط برتبة عدو    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    الرابطة المحترفة الاولى(الجولة6-الدفعة1): النتائج والترتيب    جامعة كرة القدم تعلن عن تركيبة اللجان المستقلة    وزارة التربية تنشر قائمة المدارس الإبتدائية الخاصة المتحصلة على تراخيص    بين قفصة والمتلوي.. اصابة 11 شخصا في حادث مرور    الزواج مؤجَّل والإنجاب يتراجع... فماذا يحدث في تونس؟    وزير الصحة يزور مستشفى "سامسونغ" الذكي في سيول    عاجل/ 16 دولة توجّه نداء من أجل سلامة "أسطول الصمود"    توزر: مهنيون يتطلعون إلى تحسين المنتج السياحي وتسويقه والعناية بنظافة المدن وتنظيمها استعدادا للموسم السياحي الشتوي    عاجل/ القبض على "مروّع الأطفال" في خزندار    مستقبل قابس يعزز صفوفه بالظهير الايسر ياسين الميزوني    كأس العالم 2026: الفيفا يكافئ الأندية ب355 مليون دولار    توقيع اتفاقية شراكة بين منظمة اليونسكو و مؤسسة الصادق بالسرور لدعم الثقافة في تونس بميزانية تقدر ب 1.5 مليون دولا أمريكي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    عملية جديدة للعودة الطوعية لفائدة 150 مهاجرا غينيا من تونس    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    عاجل/ البعثة التونسية الدائمة بجنيف تُدين الاعتداء الاسرائيلي على قطر    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    عاجل/ الصيدليات الخاصة توقف العمل بهذه الصيغة    قرى "آس أو آس" تجمع تبرعات بقيمة 3 ملايين دينار.. #خبر_عاجل    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    غار الدماء: امرأة تُضرم النار في جسدها داخل معهد    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يدينون الاجتياح البري لغزة    الرئيس الفنزويلي يتهم واشنطن بالإعداد لعدوان عسكري على البلاد    التونسيون يستعملون التحويلات البنكية أكثر من أي وقت مضى    شنوّا تعمل البنوك بفلوسك؟    لمحبي الرياضة : تعرف على الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ومارسيليا    وزارة المرأة تنتدب    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    خطر كبير على ذاكرة صغارنا: الوجبات السريعة تدمّر المخ وتسبّب ضعف الذاكرة!    ال'' Vape'' في الكرهبة: خطر كبير على السواق والركاب...علاش؟    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    محرز الغنوشي يبشر التونسيين:''جاي الخير وبرشة خير''    علاش تمّ إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود الCIVP؟    نيران تلتهم الهشيم بزغوان.. 1000 متر مربع من الغابة تضرروا...شصار؟    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب عبد الكافي يكتب لكم من مدريد: المورسكيون
نشر في الصريح يوم 13 - 06 - 2020

شغلتنا السياسة والسياسيون، وأوضاع الوطن الصعبة بأشكالها المتشعبة، وزادت الطين بلّة صاحبة التاج “كورونا " التي عاثت في الدنيا فسادا، رغم أنها لقنتنا درسا لا يعادله درس، من حيث أساسه ومعناه، وهو أن القوّة مهما ضخمت، ووسائل العنجهية والتعدّي مهما تنوّعت، فهي ضعيفة أمام قوّة أخرى سلاحها جرثومة صغرى لا تفلح العين المجرّدة في رؤيتها، كأنها أتت لتثبت ما سبق، وتُذكِّر من هو في حاجة لذلك، أن كل البشر سواسية، لذا وجبت المساواة في التعامل بأصنافه وأشكاله. شغلتنا الحياة بمادياتها، فتركنا غذاء الروح والعقل ونحن في ذلك لا شك مخطئون. لذا سنتركها، ولو لحين، ونتحاور، أو نتبادل بعض ما هو ثقافي ننعش به الفكر والعقل فيستريح الجسم وتهدأ النفس. بعد استسماح من سيتفضل على هذه الأسطر بعنايته فيقرأها، سأتحدّث عن كتاب لفت الانتباه، لا لموضوعه فحسب، الذي له صلة وثيقة بالكثيرين في تونس، وبوجه من أوجه نهضتها وتطورها قبل ابتلائها بالاستعمار، وله من المهتمين والأخصائيين الكثير، لعل أبرزهم وأشهرهم مؤسسة التميمي التي قامت بخطوات جريئة محمودة بهذا الخصوص، بل لدقة معالجة الموضوع، ولغايته التثقيفية غير المادية التجارية.
كتاب صدر عن دار النشر " كاتاراتا "، بدعم " مكتبة البيت العربي " وهو، كما جاء في صفحة غلافه،" كتاب نشر ليوزع، وغاية ناشريه هي أن يستعمل على أوسع نطاق ممكن، وأن يقتنى أكبر عدد ممكن من النسخ الأصلية حتى يسمح بنشر أخر مجددا، وأنه إذا ما استعمل جزء منه يشار إلى العنوان وأصحاب حق التأليف."عنوان الكتاب هو:المورسكيون: نزاع، طرد، ومهجر.
إن اسم الكتاب، المورسكيون، جاء ليدل وينعت الأندلسيين المسلمين الذين أجبروا على التنصّر أو الطرد. ألفه المستعرب الأستاذ لويس ف. برنابي بونس، من مواليد بلدة ألدا بولاية ألقنت عام 1963. هو أستاذ جامعي للدراسات العربية والإسلامية بقسم فقه اللغات المتكاملة بجامعة ألقنت. هو ايضا مدير مجلة " شرق الأندلس "، دراسات المدجنين (موداخار) والمورسكيين. خطوط المؤلف الرئيسية في بحوثه، تتمركز في الأدب العربي، تأثير العنصر العربي الإسلامي في الأدب الإسباني، وتاريخ وثقافة المدجّنين والمورسكيين. نُشِر له ضمن الكثير: النشيد الإسلامي للمورسكي الإسباني التونسي التجبيلي (1988)، ومراجع الأدب المدجن المورسكي (1992)، وإنجيل برنابي:إنجيل إسلامي إسباني (1995). هذا إلى جانب المساهمات الكثيرة في أعمال جماعية مشتركة.
الكتاب في 187 صفحة من حجم 27 على ،14 أهداه إلى روح ميكال (يعني ميكال إيبالثا) الذي عاش، وبحث، وقام بدراسات جليلة، وكتب ونشر الكثير عن المورسكيين، في ومن تونس وتوفي قبل سنوات.
كتاب قيم حقا شرح فيه، معتمدا على الوثائق وعلى ما كتب ونشر أيام محنة المورسكيين وبعدها، مستدلا بنصوص نادرة أو قليلة الرواج. شرح ظروف إسبانيا وساكنيها وسلطتها، بل سلطاتها، كما شرح، بإفاضة ودراسة معمقة، ظروف المورسكيين – الذين كثيرا ما يسميهم إسبانيين– ومقاساتهم طيلة حقب طويلة، خاصة منها القرنين السادس والسابع عشر. كما أعطى صورة – مؤلمة لمن له شعور وإحساس – عما عاشوه من حيرة، وذبذبة، وعض على اللسان، وغيره في سبيل الحفاظ على الهوية والمعتقد وسط بيئة معادية، متعصبة، خائفة، حذرة، دون أن يهمل الظروف السياسية الداخلية والخارجية.
درس أوضاع المورسكيين في كل منطقة على حدة، لأنه يرى أن أوضاع مسلمي بلنسية، يختلف عن مسلمي أراغون، وهؤلاء وضعهم غير وضع إخوانهم في غرناطة أو قشتالة.
تعرض أيضا، وبكثير من الإفاضة والأمثلة، إلى الجانب الثقافي وإلى المؤلفات التي أنتجها أولائك المساكين طوال محنتهم مصنفا أنواعها ومواضيعها.
قسّم كتابه إلى ثلاثة فصول هي: المجتمع المورسكي، المورسكيون قبل الطرد، الهجرة المورسكية. يتحدث في الأول عن " عبارة مورسكو"، من غرناطة إلى إسبانيا، وعن المورسكيين في إسبانيا، والثقافة المورسكية والنزاع. خصّص فقرة للدين والمجتمع. أما الفصل الثاني فخصصه للحديث في الأبواب التالية عن: القرار النهائي، مملكة بلنسية، درس إلاهي، ممالك قشتالة، أراغون، والمورسكيين المطرودين. بينما يعالج، بدقة وبراهين، في الفصل الثالث اتجاه المصير النهائي، المملكة المغربية السعدية، الجزائر العثمانية، الإيالة التونسية، وتركيا. وكي نعطي القارئ فكرة عن فحوى الكتاب، نمدّه بمقتطفات منه، معرّبة طبعا.
نبدأ بشهادة أحد المورسكيين، رجل ثري من بلدة أسبي، بولاية ألقنت يدعى ن. الفافار، الذي قال عند صدور قرار الطرد عام 1609 "... إن قال مولانا الملك أننا كنا عربا – استعمل كلمة "مورو" التي كان ينعت بها ولا تزال، العربي والمسلم ومن شابههما - فنحن فعلا كذلك، وهو يقول الحقيقة، لأننا فعلا لم نكن قط مسيحيين، ولم يكنه أيّ منا مهما كانت المظاهر التي أبديناها لإثبات ذلك. أمّا أن يقول إننا خونة، فأنا، لا أدري، فمن الممكن أن يكون جلالته قد أسيئ إخباره."
يعود الكاتب ليقول عن هذا الرجل ".... إن ثروته وتأثيره داخل المجموعة المورسكية، لم تفده شيئا وسط مجتمع رفض دوما اندماج المورسكيين اندماجا كاملا في الجهاز الاجتماعي الإسباني." يتعرّض المؤلف في مكان آخر واصفا تصرفات الموريسكيين فيما بينهم وحذرهم فيقول:
" يعرف المورسكيون كيف يتعرفون بعضهم على بعض، إذا كانوا بحضرة المسيحيين. فقد اعترف مورسكي من كووِنْكا عام 1584، كيف أن المجموعة كانت تنتظر من حين لآخر مجيء الترك لتحريرهم، والعلامة للتعرف فيما بينهم هي رفع السبابة، علامة وحدانية الله وإثبات سري على إسلام من يفعل ذلك. فهذا يعطي مفهوما للرسم الذي حُلّيت به عام 1500 النشرة المعادة من " دحض القرءان"، تأليف الأب ريكولدو دي مونتي كروثي، حيث يظهر رجل الدين وهو يعظ بعض المسلمين الذين كانوا يستمعون له بانتباه، وسباباتهم مرفوعة. فهذا الإصبع الممتد، يعني في نفس الوقت إعادة التاكيد في العقيدة الإسلامية الخاصة، وإرادة إبراز المسافة بينهم وبين المسيحيين."
تعرض الكاتب بكثير الدقة والعناية لعديد الأعمال الأدبية المناصرة للمورسكيين، أو هي على الأقل معادية رافضة للطريقة التي تستعمل لتنصيرهم. فمنها ما يقدمهم في غير الصورة التي لهم في المجتمع المسيحي الرافض فيقول مثلا: " فعلا ظهرت في إسبانيا، متزامنة مع المراحل الأكثر ضغطا على المورسكيين، سلسلة أعمال أولاها تاريخيا "قصة بني السراج والجميلة شريفة " (1560)، حيث يقدم مسلمو حرب غرناطة تحت نور إيجابي، مخالف للخطاب الرسمي. نتحدث عن أعمال مثل " أوثمين (عثمان) ودراجة " في الجزء الأول من "غثمان الفراشي (1599) تأليف ماتييو أليمان أو " قصة فرق الزغريين وبني السراج، أو الحرب الأهلية الغرناطية (1595) لخيناس بيرث دي هيتا، وهي اعمال تدخل في تيار أسماه المتخصص في الشؤون الإسبانية جورج سيرو منذ عام 1938 "موروفيليا أدبية". (مصادقة أو مناصرة أو محبة المورو أي المسلم.)
شرح الكاتب من ناحية أخرى كيف كان المورسكيون يتالمون شديد الألم، من التمييز الذي يواجهونه، إذ كان محظورا عليهم عديد المناصب والأعمال والمسؤوليات، ويدلي بأدلة وشهادات تثبت وتصف، وبتصريحات، من المورسكيين أنفسهم، أو ممن لم يكونوا موافقين على التمييز والطرق المستعملة، كرجلي الدين الجزويتي إغناثيو دب لاي كاساس، والقس أنطونيو سوبرينو، والمفكر بيدرو دي بالنثيا، وفرناندث دي ناباريتي.
إنه باختصار كتاب قيّم، مليء بالأفكار والتحاليل والشروح، والكل بالاعتماد على المراجع والأعمال الأدبية، وفيه المزيد المفيد، خاصة لكتابنا ودارسينا المنكبين على مسألة المورسكيين. وكما افتتح العمل بمقدمة، ختمه بتسلسل تاريخي وبالمراجع. صدرت بعد ذلك نشرة المطالعات عن البيت العربي لسنة 2003 فحوت أكثر من ثلاثين عنوانا عن المورسكيين. أما المراجع التي ذكرها المؤلف في خاتمة كتابه فهي تفوق العشرين عنوانا ما عدى المجلات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.