عندما فوجئت بخبر وفاة الفنان التشكيلي الجزائري العظيم الذي نعته وزيرة الثقافة الجزائرية باعتبار انّه أيقونة من أيقونات الفن الجزائر تذكرت أنّه قد شرّفني بهدية رائعة من بنات أنامله. وهي رسمٌ لوجهي بريشته خالدة الروح يعود إلى 15 سنة مضت. ولا شك في أنّ هذه اللوحة الكبيرة الحجم ستبقى فضاء حيّا بمنزلي لجزء من روحه الطاهرة الزكية وامتدادا لقريحته الإبداعية في هذه اللوحة وخاصة في جميع أعماله التشكيلية الرائعة الموزعة في كثير من بلدان العالم. عرفته ديناميكيا كثير الحركة والنشاط... ممتلئا بفنه... وهو فنان يعيش الفن ويتكلم به بحيث يجمع بين عمق الفيلسوف وإطلالة الرسّام الحُرّ والفنان التشكيلي المجدد... لم يكن انسانا عاديا على الرغم من طيبته وتواضعه... لأنه مبدع حقيقي أو إن شئت التعبير بلفظ أدق أقول إنّه مبدع صادق... وكم جمعتنا المسايرات والمجالسات والندوات بين المركز الثقافي بسوسة وبين نُزل سوسة ومقاهيها وخاصة فضاء سيدي بوجعفر والمكتبة العمومية بسوسة في رحاب مديرتها المحبوبة حياة الازرق التي كان مكتبها قبلة اهل الفكر والفن والثقافة. رحم الله الفنان التشكيلي الكبير عمار علالوش ابن الشقيقة الجزائر الذي عاش في تونس السنوات الطويلة وأقام بين ظهرانينا في مدينة سوسة. كان ملازما للفنان التشكيلي والكاتب المسرحي والمسؤول الثقافي الحُرّ بولاية سوسة الصديق العزيز لطفي بن صالح الذي كان دينامو الحركة الثقافية في الساحل وحاضن المبدعين من مختلف الاختصاصات وراعي الإبداع بلا تمييز أو انحياز، والذي كان ثوريا في أفكاره وفي شخصيته المتمردة على النفاق والرتابة والجمود الإداري والإبداعي وذلك طبعا قبل انبلاج عهد الثورة في تونس وظهور الفكر الثوري وتوأمه الغالب اليوم وهو الفكر الثورجي الزائف. وكان فنّاننا المحبوب علالوش مؤثثا لمختلف التظاهرات الثقافية الوطنية والدولية بولاية سوسة لا سيما منها التظاهرات التشكيلية... لا تكاد البسمة تغادر وجهه.... يشع علينا بطاقة روحية إيجابية... مفعم بالفكر... له رأي في كل شيء... رأي حصيف ينم عن موسوعيته بل عن حكمته.... لم الاقيه منذ عشر سنوات او يزيد سألت عنه فقيل لي: رجع إلى قسنطينة. ظل وجهه الصبوح وهيئته وكلامه منقوشا في ذاكرتي... ثم سمعت أنه أصيب بمرض عضال... إلى أن تلقيت منذ يومين ببالغ الأسى خبر نعيه. كان المبدع الجزائري العظيم عمار علالوش ابن مدينة سوسة المحب لها والتي احتضنته وآمنت به وصار من علاماتها تفخر به مثلما كان يفخر بها. مات عن 81 سنة دون أن أرى عن قرب ومعايشة حالة الشيوخة والمرض التي بدت عليه رحمه الله تعالى مثلما عاينته في إحدى الصور المصاحبة الحديثة. مات وفي نفسه شيء من حلم تأسيس "فضاء ثقافي مغاربي وأفريقي من أجل فهم أفضل للفن”. هكذا هم الخالدون... يموتون ولا تموت أحلامهم... يرحلون إلى عالم آخر لكن يبقى عبق مآثرهم عالقا بذاكرة الأجيال..