لن أصمت ، هذه المرّة ، كما كنت أفعل دائما ، أيّام كان الصّمت ملجأ العقلاء و أحد شروط البقاء ، و الصّراخ و الهتاف شيمة من شيمات الولاء... كنت وقتها أهتف مع الهاتفين و أناشد مع المناشدين ، ليس جُبنا أو تقرّبا ، بل إقتناعا ، في المرحلة الأولى ، بالرّجل الذي وعدنا بالحرّية و هندس عملية الأخذ بزمام الأمور المتأزّمة أصلا ، وقتها ، بحرفية عسكرية , حتما ، لكنّها لم تكن ، كمثيلاتها في العالم المسمّى ، إحتقارا و تكبّرا ، بالعالم الثّالث ، لم تكن ، والحمد لله ، دموية و لا ذات أضرار عرضية جانبية كارثية .... أمّا في ما بعد ، حين أصبحت الدّولة و البلاد و خيرات البلاد شأنا خاصّا وحكاية عائلية ، فهمت اللّعبة و فضّلت الصّمت على المخاطرة بمستقبلي و مستقبل عائلتي... واليوم ونحن نخطو خطوات ثابتة رغم تعثّرها، أحيانا ، و ننعم بقسط محترم من حرّية التّعبير ، فإنّي قرّرت أن لا أسكت أبدا حين يكون الأمر يتعلّق بحقّ سُلِب منّي أو بمظلمة مدبّرة ماكرة تستهدفني شخصيا و تبيّت النّية لإبعادي من السّاحة و تنسيّة النّاس في إسمي و فنّي بتعلّة أنّني أنتمي إلى عصر قد شاخ و استوفى مهمّته و جيل لم يعد لفكره و إبداعه مكان في هذا الزّمن المتنكّر لكلّ ما سبق.... يريدون ردمنا و نحن لا نزال نتفّس ونجتهد ونبتكر ويخطّطون لتشييد عالم جديد على أنقاض تاريخنا الذي لن يُمحى ولن يقدر أحد ، إن شاء الله ، على رميه في أسفل رفوف النّسيان.....