إذا كان ثمة من خدمة قدمها الكوميدي لطفي العبدلي في مسرحيته الساخرة التي انتقد فيها رموز الأحزاب السياسية وخصص جزءا من هذا النقد للسخرية من عبير موسي بتوظيف ملابسها الداخلية هو أنه كشف عن حقيقة جزء من الشعب التونسي الذي مازال يحن إلى الزمن القديم زمن نظام بن علي الذي كان فيه حال الفكر والثقافة مسيّج بسياج من حديد ووضع الفن والإبداع مقيد بقيود غليظة، وكشف عن حقيقة جزء من هذا الشعب الذي يدين بالولاء الأعمى إلى حزب التجمع المنحل الذي خرب البلاد وسرق المال العام وتسبب في كوارث جعلت شعب الأحرار بثور عليه ويجبره على الرحيل ومغادرة البلاد بلا رجعة. إذا كان ثمة من ميزة لما قام به العبدلي هو أنه كشف عن حقيقة بعض هؤلاء الذين لا يولون قيمة ولا احتراما لرموزهم التاريخية ولا يعطون قيمة للأخلاق والمبادئ الحقيقية ولا يحترمون مقدساتهم الدينية ولا يدافعون عنها لما تُمس وتُنتهك باسم حرية الفن والإبداع .. فأين كانت الأخلاق التي يتكلم عنها أنصار عبير موسي لما أهين الزعيم الحبيب بورقيبة من قبل مؤسس التجمع زين العابدين بن علي الذي انقلب عليه ووضعه في حبس انفرادي وإقامة جبرية ومنع عنه الزيارة ومقابلة أصدقائه وكل من كان يحبه وتركه وحيدا في منفاه ليلقى نهاية تعيسة حزينة لا تليق بمن ننعته بباني تونس الحديثة. أين كان الحديث عن ضرورة وضع ضوابط للإبداع وقيود لحرية الفنان وتقييد العمل الفني حتى لا يتحول إلى تهور لما أهين الرئيس المرزوقي وسخر منه ومن ملابسه وطريقة عيشه ومشيته وأكله باسم حرية الفن والإبداع .. أين كان من أزعجهم ما قام به العبدلي مع عبير موسي لما أهين الرئيس الباجي قائد السبسي من طرف العبدلي و قدمه في صورة غير لائقة به لما تحدث عن وضعه الحفاظات التي تضعها الأم لابنها الرضيع .. أين كان الغيورون عن وريثة التجمع المنحل لما سخر العبدلي من الكثير من الرموز السياسية واضحك الناس منهم في عروضه الفنية ونال من شخصهم وقدمهم للجمهور في صورة مشوهة .. أين كان بقايا الإعلام النوفمبري وأحفاد الحداثة المشوهة والعلمانية المحرفة لما أهين القرآن الكريم وتمت السخرية من الرسول الأعظم واتهمت أمهات المؤمنين على يد زمرة ممن سميناهم بالنخبة الفكرية في البلاد باسم حرية الفكر وحرية الضمير والحق في الابداع ..أين كان هؤلاء الذين أيقظهم اليوم مقطع من مسرحية ساخرة قدمها فنان ونال طوال سنوات عديدة بعد الثورة من كل الرموز السياسية من دون أن يوقفه أحد أو ينتقد أداءه الفني ويرد اختياراته الابداعية. أين كان كل هؤلاء لما أهينت رموزنا السياسية وتمت السخرية من مقدساتنا الدينية والحط من رموزنا الدينية ومن رسولنا وقرآننا .. أين كانت الأخلاق والمبادئ واحترام الحياة الخاصة للأفراد لما قال لطفي العبدلي ما قال طوال عشر سنوات بعد الثورة؟ اليوم فقط استيقظ ضمير الشعب واليوم فقط تفطن جزء من الشعب إلى أن الحرية الفنية لها حدود وأن الابداع له قيود ولا يمكن أن يكون محررا من كل القيود وأن العمل الفني يحتاج إلى ضوابط اخلاقية حتى لا ينحرف .. اليوم فقط تفطنوا إلى أن الحديث عن ملابس عبير الداخلية فيه مس من سمعة المرأة التونسية وهو نوع من أنواع العنف المسلط على المرأة .. أين كان هذا الحديث عن الأخلاق والضوابط الفنية لما وصفت نائبة من النهضة بأنها وعاء جنسي للغنوشي وأن نساء النهضة جاريات عنده؟ في تلك الأيام لم تكن المرأة التونسية مقدسة ولم يكن هذا الكلام إهانة للمرأة. ما قاله لطفي العبدلي في حق عبير موسي في مسرحيته وحديثه الساخر عن ملابسها الداخلية غير مقبول وغير لائق ولا يرقي إلى أن يكون فنا ولا إبداعا ولكن أن تقوم الدنيا ولا تقعد من أجل مقطع ساخر في عرض كوميدي من زعيمة حزب ولا نحرك ساكنا لما تمس رموزنا السياسية والتاريخية و الدينية ويسخر منها بطريقة لا أخلاقية لهو عين الحقارة والنذالة والتفاهة فشعب يقدس أفراده ملابسه الداخلية ويغضب ممن يسخر منها ولا يحرك ساكنا لما تهان رموزه التاريخية والسياسية ولا يغضب لما تمس مقدساته الدينية لهو شعب لا خير فيه… فمن يستهين ويتسامح مع من يهين تاريخه ومقدساته عليه أن يصمت حينما تنتهك أعراض الاشخاص وحرماتهم .. إنها اللعنة التي انقلبت على السحرة ..