من المؤكّد أنّ السياسة ، كالحرباء بالضّبط ، تتلوّن حسب المكان الذي هي فيه والمزاج الذي هي عليه ، و تسير بحذر فائق و بطئ غريب مريب و خطوات متردّدة محسوبة و رؤية ذات مجال شاسع عريض، مترصّدة جميع الفرص للإنقضاض على فرائسها بسرعة و دقّة و شراسة . ففي عالم السياسة لا شفقة و لا رحمة و لا عهد و لا غفلة... وكما تفترس الحرباء الضّخمة بني جلدتها من الزّواحف الأصغر منها حجما ، فإنّ السياسة ، كذلك ، تمكّن الأقويّاء من نسف الضّعفاء أو ، في ألطف الحالات ، من إستمالتهم و فرض إنصهارهم في معسكرهم وإجبارهم ، بالتّالي ، على الخنوع و الطّاعة و دعم جميع مواقف و قرارات أسياد هذا أو ذاك المعسكر المتموقع "الشّافط" القويّ وإن كانت مناقضة تماما لمبادئ هذا المنصهر الهيّن المتحوّل المتلوّن المستسلم المرتدّ أو غيره من "بيادق" محترفي السياسة... يقولون إنّ السياسة "فنّ الممكن" و لكنّها ، في الحقيقة ، وسيلة للتّمكّن من "فنون" الوصول إلى السّلطة لحكم العباد و السّيطرة على مفاصل "عنُق" البلاد بوضعها في الإتّجاه الذي تراه المعسكرات النّافذة الغالبة أنفع لها و أضمن لبقائها أطول مدّة ممكنة في سدّة الحكم.. السيّاسة إذًا ، حسب رأيى ، و ذلك منذ أن إبتدعها الرّكن الماكر في مخّ الإنسان ، مجرّد لعبة كبيرة معقّدة يشارك فيها السّاذج و الفَطِن و الجاهل و المتعلّم و الطيّب و الماكر و الحاكم و المحكوم ، تنتهي دائما بغلبة المتحكّم في قواعد و أدوات اللّعبة ، أي صاحب المال و أبواق الدّعاية الأقوى و المكر السياسي الأدهى.... على كلّ حال تبقى السياسة قاطرة أحوال حاضر و مستقبل الشّعوب ، و إن فسدت و أَفسدت ، فالذّنب ليس ذنبها ، بل ذنب محترفيها.. عودوا إلى التّاريخ و سوف تقتنعون بأنّ جميع مصائب البشرية متأتّية من هَبَل و غرور و طمع و تسلّط و تكبّر بعض أهل السياسة ، وكم هم كثّر هذه الأيّام في هذا العصر المفخّخ بأدوات الدّمار الشّامل و الذّهن الخامل وجميع بهارات إندلاع حريق كونيّ هائل لن ينجو منه سوى من كانت له القدرة على الهرب إلى كوكب آخر حيث يُعيد الكرّة ، و هكذا دواليك إلى حين لحظة وقوع الواقعة.. وهي ، حتما ، آتية ، و "ليس لوقعتها كاذبة"...