لا شك ان جميع الأنظار قد لاحظت غلاء أسعار الغلال منذ دخول فصل الصيف حتى ظننا ان بلادنا التونسية لم تعد معطاء في هذا المجال وان ارضها الخصبة الثرية قد اختارت الشح والتقتير وتبديل الحال وبناء عليه فان كثيرا من العقلاء قد اصبحوا يعتبرون ان الغلال قد اصبحت من الكماليات التي لا يجب على الفقير والزوالي ان يلتفت اليها حتى مجرد الالتفات بل عليه فقط ان يفرح وان يسر كل السرور اذا قدر على شراء السلق والمعدنوس والبطاطا والفلفل والطماطم والبصل وغيرها من ضرورات الخضر ولكنني سرعان ما غيرت راييي بالأمس عندما سمعت كلام احد الفلاحين المنتجين لغلة التفاح هذه الغلة التي قال الأطباء في بيان فائدتها انها صيدلية متنقلة وقال غيرهم في مدحها انها فاكهة فواحة وربما ترد الموت عن الأرواح اذا ما اكلت في المساء وخاصة في الصباح اذ رايت ان اشجار تفاحه حبلى وملاى بالتفاح وهو ينتظر الشارين ويشكو بخس سعره مقارنة بكلفة انتاجه ويقول انه يبيع الكيلو منه بثلاث مائة مليم... فضربت كفا بكف وقلت يا سبحان الله الفلاح المتعب المسكين يبيع تفاحه بمثل هذا السعر البخس الزهيد والمواطن الزوالي المسكين لا يشتريه من الأسواق وحتى عند النصابة باقل من ثلاثة دنانير ولا ينزل هذا السعر بعض المئات من الملاليم الا اذا كان التفاح رديئا من النوع المريض او السقيم او كما يقول عامة التوانسة فيه انه من نوع (السقاطة والمضروب وطياح ريح ) فبالله عليكم ايها التجار اخبرونا ماذا اضفتم الى غلة التفاح وماذا تعبتم فيه حتى ترفعوا سعره الى عشرات المرات او يزيد عن سعر الشراء اليس هذا من باب الاستغلال ومن باب الاستكراش وربما من باب ظلم اخوانكم التونسيين الفقراء والضعفاء والمساكين ؟ كما انني انتهز فرصة كتابة هذا المقال لاتوجه الى التجار بهذا السؤال بكم اشتريتم بالله مادة التين او الكرموس حتى تبيعونه للناس بما يزيد عن الأربعة دنانير بل وصلتم به الى ثمانية دنانير او يزيد؟ اخبروننا هدانا الله واياكم الى كل فعل والى كل قول رشيد سديد؟ ثم اني لست ادري اين مراقبو الاسعار الم يجدوا وسيلة رادعة ليحموا التونسيين من الوقوع فريسة للهفة وجشع مثل هؤلاء التجار؟ الا يمكن للدولة ان تتدخل وان تشتري مثل هذه الغلال باسعار مناسبة من الفلاحين ثم تبيعها وتروجها في الأسواق باسعار تناسب جيوب العامة من الفقراء والمساكين؟ اليس الحد من ارتفاع الاسعار ومراعاة جيوب الزوالية والمساكين وضعف قدراتهم الشرائية من اوكد واجبات الحكام كما نصت على ذلك جميع الدساتير وجميع القوانين وجميع الشرائع الانسانية والسماوية؟ والى ان يجد حكامنا سبيلا يوقف او يحد من الصعود الصاروخي لهذه الأسعار فلا يسعنا الا ان نقول حسبنا الله الواحد القهار البصير بالعباد في جنح الظلام وفي رابعة النهار القدير على تغيير الحال العسير اذا تقاعس عن ذلك من تولوا ومن تكفلوا باصلاح شؤون الناس وردع المعتدين في مجال التجارة وفي غيرها من الميادين ووقعوا في مغبة الغفلة والكسل والتراخي والتقصير ونسوا ان فوقهم الاها عادلا رحيما قويا سميعا شهيدا عليما بصيرا بكل ذنب كبير او صغير... ورحم الله عمر بن الخطاب امير المؤمنين الذي حرم على نفسه اللحم والعسل والسمن عام الرمادة حتى يقدر على شراء كل ذلك عامة المسلمين ولا حول ولا قوة الا بالله رب العالمين