بعد ما كانت بلادنا تنتج كلّ احتياجاتها من الفسفاط و النفط و الغاز و نصّدر البعض منها و ما يعنيه ذلك من موارد مالية هامّة لفائدة ميزانية الدّولة، أصبحنا و للأسف و منذ مدّة نستورد هذه المواد من دول أخرى؟ هل إذا هذه الدرجة أصبحت الدولة ضعيفة، أمام بعض لوبيات الضغط، و لم تتمكن من " الدّفاع " و تحصين هذا الملك العام و صونه من عربدة البعض مهما كانت مشروعية طلباتهم ؟ فهل أصبح موضوع ضعف الدولة مطروحا بحدّة مقابل تغوّل المجتمع و فرض أحكامه عليها؟ أ لم يكفي بلادنا ما تعانيه من آفات التهريب و اغراق السوق و الاحتكار و سرقة المال العام و الارهاب و الجريمة الفردية و المنظمة منها، لنزيدها اضعاف الدّولة بتجفيف أهم مصادر مواردها المالية أ لا و هي الفسفاط و النقط و الغاز؟ و السؤال الأهم إلى أين نحن سائرون بأسلوب الاستقواء على الدّولة و عدم احترام قوانينها و فرض أجندات أخرى؟ أ لا يفضي هذا إلى تمزيق أواصر و وحدة الدّولة و بالتالي تركيز حكم العصابات ؟ هل نحن فعلا واعون بما يحدث في بلادنا من تنفيذ لسياسة الخطوة خطوة لإنهاء الدّولة مقابل حكم العصابات و اللوبيات و المارقين عن القانون؟ أم مسايرة لهذا الوضع و كلّ الطرق تؤدي إلى الحفاظ على الكرسي و المكاسب في وضع الخطير و شائك تمرّ به بلادنا و ما علينا إلاّ انحناء فقط أمام العاصفة؟ أم ما يحدث في النهاية هي معركة ليّ ذراع الدّولة لتخّر ساجدة و مذعنة لطلبات هذه العصابات؟ للإجابة على هذا الوابل من الأسئلة التّي تخامر ذهن جلّ التونسيين، نقول بداية نحن و كلّ عقلاء هذا الوطن، بكلّ نخبها و شرائحها، نحن مع ايجاد حلّ لكلّ المشاكل الاجتماعية لكلّ أفراد الشعب و على رأسها توفير الشغل الذي يعدّ العنوان الأول لحفظ و صون كرامة التونسي. وأيضا مع تحرّك الحكومة ليكون ملف الكامور من الملفات التي لها الأولية من أجل فضّه بصفة نهائية و قطعية عبر مقاربة و خطة تشاركية شاملة. لكن نحن أيضا لسنا مع أسلوب العربدة و سياسة ليّ الذراع التي تنتهجه تنسيقية الكامور و ما غلقها لمحطة النفط منذ مدّة – و ما نتج عنه من انخفاض حاد في انتاج البترول فضلا عن تهديد الشركات المستغلة لمغادرة البلاد - إلاّ تجسيد صريح لمثل هذا الأسلوب و ما أتى في تدوينة التنسيقية حرفيا " لن تفتح الفانا ( أنبوب النفط ) إلاّ بالتطبيق الفوري لاتفاق الكامور " يعتبر أيضا دليل على تغوّل هذه التنسيقية و فرض أحكامها على الدّولة. و ما التصريح الأخيرة لوزيرة الصناعة و الطاقة و المناجم سلوى الصغير إلاّ اذعان لمثل هذه المطالب التعجيزية التّي يفرضها حراك الكامور باعتبار أوّلا و أنّ الدولة غير قادرة واقعيا على تنفيذ مثل تلك الطلبات ، و ثانيا الظرف الوبائي الذي تمرّ به البلاد يعتبر من أوّل الأولويات للتصدي له عبر توفير المعدّات و المستلزمات الصحية و نحن نستيقظ يوميا على أعداد هائلة مما قضوا جرّاء هذا الوباء القاتل، فضلا عن الأيادي المرتعشة التي عليها الحكومة في معالجة مثل هذه الملفات ؟ و بالتالي فإنّ، ربط تواصل وقف انتاج النفط بتنفيذ كل الطلبات من تشغيل لحوالي ألفين من شباب المنطقة في الشركات البترولية و مثلهم في شركات البستنة و ضحّ سنويا ما يقارب 80 مليون دينار في صندوق تنمية الجهة، يطرح اشكالية ضعف الدّولة أمام هذا الحراك ؟ و بالتالي نسأل من يضمن عدم ظهور طلبات جديدة لهم في مستقبل الأيام بعد أن خبروا من أين تؤكل لحمة الكتف؟ هذا من ناحية، و من ناحية من يضمن عدم انتقال عدوى تغوّل المجتمع إلى جهات أخرى؟ و ما هي الحلول لو تتحرّك جهات أخرى و النسج على منوال ما نسج عليه حراك الكامور و طالبوا بالتالي هم أيضا بالتشغيل و تنمية جهاتهم و ذلك بنفس الأسلوب أي توقيف انتاج بعض المنتوجات الحيوية للبلاد؟ فهل ستصبح الحكومة وقتها عبارة عن جهاز للحماية المدنية لتطفئ النيران المشتعلة هنا و هنالك؟ اعتقد جازما و أنّ فض مثل هذه المعضلات لا بدّ أن تكون ضمن خطّة شاملة و استراتيجية و جدول زمني معيّن يشمل كلّ جهات الجمهورية حسب الأولويات و حسب الجهات بعيدا عن الحلول الانتقائية و الحلول الترقيعية و ذلك عبر الرضوخ لهذه الجهة أو لتلك و الحل الأنسب، كما هو متعارف عليه، يأتي في اطار خطّة شاملة و واضحة المعالم تشمل كلّ جهات الجمهورية و انطلاق شرحها عبر عقد اجتماعات عامّة في كلّ الجهات يتولاها الوزراء بحضور السلط الجهوية و نواب الجهة و المجتمع المدني. وأعتقد أيضا و أنّ المواطن التونسي سيتفهّم الوضع ما دامت ستشمله و تشمل جهته بعض المشاريع المشغلة و هو الذي صبر أيّوب لمدة عقد من الزمن و ما عاناه خلاله من ضنك في العيش و ضغط يومي بحكم ما فرضته ظروف الحياة وحاكته " الثورة " المجيدة. لنختم بسؤال أراه بالأهمية بمكان و مفاده متى ستقلع الحكومة أوّلا عن سياسة الحلول الترقيعية و متى ستفرض القانون و الأهمّ متى ستعلن عن خطة شاملة تمسّ كلّ الجهات و الفئات من أجل طمأنة الجميع سواء بالجنوب أو بالشمال أو بالوسط؟ فالحلول تحت الضغط لن تكون ناجعة خاصة أمام امكانية تفشي العدوى بانتهاج أسلوب حراك الكامور..فهل نجد الآذان الصاغية لإطلاق الحكومة لخطّة شاملة تكون فيها العدالة بين الجهات و بين الفئات فضلا عن استرجاع هيبة الدولة و قوّة القانون..؟