منذ صدور تقرير محكمة المحاسبات الأخير في 10 نوفمبر 2020 و إدانة بعض الأحزاب و بعض الجهات السياسية عموما من تمويل الحملات الانتخابية التشريعية و الرئاسية وتمويل الأحزاب السياسية وذلك باستعمال المال الأجنبي و الاعتماد على لوبيات ومؤسسات في الخارج لتلميع صورهم، و الدنيا لمن تهدأ في جلّ الأوساط السياسية و القانونية و الإعلامية و الخبراء و حتّى لدى المواطن العادي خاصّة على منصات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزية والصحف بكل أشكالها و بمختلف محاملها وكلّ حسب منظوره للموضوع وحسب توجهه و لونه السياسي و منهجه الايديولوجي و استغلال ذلك لتسجيل نقاط ضدّ هذا الخصم أو ذاك ، والكلّ جعل من هذا التقرير سروال عبد الرحمان زيادة ونقصانا و مدّا و زجرا و مرسى و عمقا إلى درجة اختلط الحابل بالنابل و اختلطت المفاهيم و لا أحد يعلم مآل هذه الأحكام الصادرة في تقرير محكمة المحاسبات الأخير؟ و هي مناسبة أيضا لنتساءل أي المآلات التّي ستعرفها الاستنتاجات التي تضمنها هذا التقرير و نتائج المراقبة حول ما شاب من إخلالات الحسابات المالية و النفقات للمترشحين في الانتخابات الرئاسية و التشريعية لسنة 2019..؟ ولكن قبل ذلك و حتّى تعمّ الفائدة نورد و لو باقتضاب الإطار القانوني لمحكمة المحاسبات و مجال اختصاصها؟ المهام و الإطار القانوني لمحكمة المحاسبات: بداية لا بدّ من تثمين ما قامت به محكمة المحاسبات من رصدها لكثير من الإخلالات بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة و هذا من شأنه تعزيز الانتقال الديمقراطي في بلادنا و الدفع نحو احترام الانتخابات لمبادئ النزاهة و الشفافية و الوضوح، وبالتالي نقول وأنّ الهيئات الرقابية المختلفة الأخرى ( باستثناء محكمة المحاسبات ) و الراجعة بالنظر إلى السلطة التنفيذية تقوم بمهام رقابة داخلية، في حين تتميّز محكمة المحاسبات بكونها مؤسسة عليا للرقابة على التصرف في المالية العمومية بصفة مستقلة عن السلطة التنفيذية و تتولى الرقابة الخارجية و تساعد كل من السلطة التنفيذية و التشريعية على رقابة تنفيذ قوانين المالية و غلقها و لهذه المؤسسة الرقابية استقلالية وظيفية مكتسبة منذ دستور 1959 و تمّ تدعيمها مع دستور سنة 2014 لتصبح مكونا من مكونات السلطة القضائية. ولمزيد التوضيح نقول و أنّه طبقا للفصل 117 من الدستور فإنّ القضاء المالي يتكون من محكمة المحاسبات بمختلف هياكلها و تختص بمراقبة حسن التصرف في المال العام طبقا لمبادئ الشرعية و الشفافية و النجاعة. ويقرّ القانون الأساسي عدد 41 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أفريل 2019 و المتعلق بمحكمة المحاسبات و تحديدا في فصله الثاني و أنّها تكوّن بمختلف هيئاتها القضاء المالي و هو ما يجعل منها هيئة قضائية تصدر أحكاما على غرار القضاء العدلي و الإداري و أيضا هي في نفس الوقت هيئة رقابة تمارس مهامها باستقلالية تامّة. كما تتكوّن محكمة المحاسبات من قضاة ونيابة عمومية خاصة بها و لها أقسام ودوائر ابتدائية مركزية وجهوية و دوائر استئنافية و هيئة تعقيبية.. هذا وقد أقرّ الفصل 97 من القانون الانتخابي قيام محكمة المحاسبة بإعداد تقرير عام يتضمن نتائج رقابتها على تمويل الحملات الانتخابية من أجل التأكد ( كما ذهب إلى ذلك الفصل93 من نفس القانون ) من عدم ارتكاب المرشحين لجرائم انتخابية. مآلات استنتاجات محكمة المحاسبات حول تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب؟ حتّى لا نطيل نضع سؤالا مركزيا حول خطورة الاخلالات المرصودة و مدى فاعلية العقوبات المسلطة لمثل هذه التجاوزات أمام رصد العديد من الاخلالات التي شابت الحسابية المالية للمترشحين و شرعية الموارد ومجالات إنفاقها و عدم الافصاح عن مصادر التمويل و استعمال مال مشبوه غير مصرح به في الحملات الانتخابية و عدم احترام مرسوم الأحزاب . و قد ترواحت هذه الاخلالات بين عدم التزام 100 قائمة بضوابط مسك الحسابية و 13 قائمة لم تصرح ببعض الأنشطة و 51 قائمة لم تودع موارد نقدية في الحسابات البنكية و 17 قائمة لم تقدم كشوفات بنكية و لكن الأخطر – حسب ما استقيناه من الندوة الصحفية للسيدة فضيلة القرقوري، رئيسة دائرة لمحكمة المحاسبات ، و أنّ الخاصية الكبيرة لانتخابات 2019 هي اللجوء إلى التعاقد مع الخارج و استعمال شبكات التواصل الاجتماعي وما انجرّ عن ذلك من استعمال الإشهار السياسي و تأثيره على الحملة الانتخابية و بالتالي على إرادة الناخب؟ ومن هنا نطرح السؤال الأهم و مفاده ما هي مآلات كلّ هذه " الفظاعات " الانتخابية و هل ننتظر فعلا عقوبات ردعية لها؟ في هذا الاطار، نقول الكلّ أدلى بدلوه في هذا المجال و التأمت العديد من البلاتوهات الإذاعية و التلفزية وحبرت الصحف المقالات العديدة و تكلّم الجميع بما فيهم المواطن العادي كلّ حسب رؤيته و موقعه و كانت الآراء في جلّها مستنكرة ومنددة بل و مطالبة بالذهاب حتّى إلى اسقاط قائمات الأحزاب المرتكبة لمثل هذه الفظاعات و طالب البعض حتى بتسليط أحكام جزائية تصل إلى السجن؟ كلّ هذا الكلام تشوبه المزاجية ؟و بالتالي نسأل ما حكم القانون في ذلك؟ لنجيب مباشرة و أنّ القانون الانتخابي أقرّ عقوبات تتراوح بين العقوبات المالية و عقوبات سالبة للحرّية مرورا بعقوبات سياسية . من هذه العقوبات نذكر خطايا تتراوح بين 500 دينارا و خمسين ضعف قيمة التمويل للحملات و خطايا مالية مع أحكام بالسجن من شهر إلى خمس سنوات و خطايا مالية مع فقدان العضوية بمجلس النواب و سجن المترشح لرئاسة الجمهورية المتمتع بتمويل أجنبي لمدّة 5 سنوات مع حرمانهم من الترشح للانتخابات الموالية فضلا عن عقوبة تكميلية تقضي بالحرمان من الحق في الاقتراع لمدّة لا تقل عن سنتين و لا تتعدى 6 سنوات و لكن و في نظرنا المتواضع و أنّ كلّ هذه العقوبات لا قيمة لها أمام ما نص عليه القانون الانتخابي من سقوط هذه الجرائم الانتخابية بالتقادم اثر انقضاء 3 سنوات من تاريخ إعلان النتائج النهائية للانتخابات؟؟ لنختم بالقول و أنّ كل ما نعيشه الآن من زخم النقاشات و كثرة البلاتوهات و تحبير الصحف و صلابة بعض المواقف و ما تضمنه قانون الانتخابات من عقوبات، نقول و أنّ كلّها ستسقط بالضربة القاضية أمام ما تضمنه هذا القانون من سقوط هذه الجرائم الانتخابية بالتقادم لفترة 3 سنوات فقط خاصة أمام طول إجراءات التقاضي على مختلف درجاتها و بالتالي علينا أوّلا تعديل قانون الانتخابات خاصة على مستوى فترة تقادم سقوط الجرائم حتى يكون بالفعل رادعا لمثل هذه التجاوزات الانتخابية و بالتالي يقرأ له ألف حساب من قبل كلّ من يرتكب مثل هذه الجرائم و بالباقي يبقى تفاصيل لأنّه منطقيا يمثل هذا الإجراء الذي تضمنه قانون الانتخابات حصانة أخرى لمرتكبي مثل هذه الجرائم الانتخابية و هذا يحيلنا على سؤال خطير مفاده هل اختيار فترة التقادم ب 3 سنوات فقط كان مبيّتا و مقصودا منذ البداية.. ؟