تقرير صادم وخطير هذا هو الانطباع العام الذي نخرج به بعد الاطلاع على تقرير محكمة المحاسبات الذي حوى النتائج التي انتهى إليها بعد عملية المراقبة والتدقيق التي قام بها والتي شملت مراقبة مصادر تمويل حملات الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 والمتضمن كذلك نتائج مراقبة مصادر تمويل الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني حيث رصد التقرير الذي جاء في 343 صفحة الكثير من الاخلالات والعديد من الخروقات التي ترتقي إلى أن تكون جرائم انتخابية أو شبهات فساد مالي قد تنهي إلى تسليط عقوبات على أصحابها. واللافت في هذا التقرير الأخير لمحكمة المحاسبات بخصوص مصادر تمويل الأحزاب في الانتخابات الأخيرة أن التقرير قد أثبت وجود تمويلات أجنبية تحصلت عليها بعض الأحزاب وبعض جمعيات المجتمع المدني وحتى الشخصيات التي ترشحت للانتخابات ووقف على وجود أموال صرفت في عمليات إشهار سياسي ودعاية إعلامية لفائدة أحزاب وجمعيات مصادر تمويلها مجهولة هذا فضلا عن غياب الشفافية وعدم الوضوح في طرق صرف الأموال المرصودة للعمليات الانتخابية ومع ذلك فإن هذا التقرير يجد صعوبات كثيرة في تفعيل النتائج المعلنة وتحويل ما توصل إليه إلى قرارات نافذة لأنه لا معنى لعملية مراقبة مالية للانتخابات إذا لم تتبع بقرارات وأحكام تعالج الإخلالات الحاصلة. المشكل في هذا التقرير أنه رصد مسألة في غاية من الخطورة ومهددة للعملية الديمقراطية برمتها وقد تنسف كل المسار الديمقراطي الذي نعمل على تثبيته بكثير من التعب وتثير الشكوك بخصوص نزاهتها ومصداقيتها هذا المشكل هو إقرار وجود تمويلات أجنبية في الحملات الانتخابية التي حصلت بعد الثورة وإثبات إدخال أموال من الخارج لتمويل حملات أحزاب وشخصيات والأخطر من ذلك إثبات نفقات انتخابية تعود بالنظر إلى هياكل تسيير وجمعيات مجتمع مدني بما يعني تأكد الجمع بين العمل الجمعياتي والعمل الحزبي بما يفيد كذلك أن الكثير من الجمعيات قد مولت من أموالها الخاصة أحزابا سياسية خلال الحملات الانتخابية وهو تصرف ممنوع ويعاقب عليه القانون . المشكل الآخر والذي يعتبر خطرا على الديمقراطية التونسية الناشئة و يمثل نقطة ضعف كبرى للتجربة الانتخابية ما وقف عليه تقرير محكمة المحاسبات بخصوص محدودية وضعف منظومة الرقابة على التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية حيث اتضح من خلال التقرير أننا لا نتوفر على منظومة ناجعة وفاعلة من شأنها محاصرة ومراقبة مصادر التمويل المشبوهة من ذلك صعوبة مراقبة الأموال المرصودة في الحسابات البنكية للجمعيات والأحزاب والشخصيات الحزبية وصعوبة مراقبة الأموال مجهولة المصدر والتي قد تكون نتاج عمليات غسيل أموال أو ما يعرف بالتمويل المقنع وهي مبالغ ضخمة للغاية. من صور ضعف المنظومة الحالية للرقابة عدم توفر الآليات القانونية الناجعة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمراقبة مصادر تمويل الحملات الانتخابية وعدم إمتلاك وزارة المالية ما يستوجب من إجراءات للتصدي للتمويل الأجنبي ونفس الشيء يقال عن البنك المركزي بخصوص التحويلات المالية الأجنبية التي تحصل لتمويل حملات انتخابات لعديد من الشخصيات حيث أفاد هذا الأخير أنه لا يملك الصلاحيات القانونية التي تمكنه من الحصول على معلومات بخصوص حسابات الأشخاص لدى البنوك وكذلك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد واللجنة التونسية للتحاليل المالية اللتان لا تتوفران على ما يلزم من إجراءات للتعرف على مصادر تمويل كل الأحزاب والجمعيات والشخصيات والتدقيق في مختلف العرائض الواردة عليهما بخصوص شكايات تتعلق بشبهات فساد مالي حصلت أثناء الحملات الانتخابية. إن المفيد في هذا التقرير هو الوقوف على الضعف الفادح الذي باتت عليه ديمقراطيتنا الناشئة والإخلالات و الخروقات الكبيرة التي تحصل بمناسبة كل محطة انتخابية بما يفقد العملية الانتخابية النزاهة والشفافية ويجعل من كل العملية السياسية فاقدة لكل مصداقية فحينما لا تملك الديمقراطية آليات قوية لمراقبة العملية الانتخابية في بعدها المالي وفي جانب مصادر تمويل الانتخابات حينها يصعب أن نقول أننا نعيش حياة ديمقراطية حقيقية أو أننا نجري انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة وذات مصداقية. والسؤال اليوم ماذا بعد هذه النتائج الصادمة الذي حواها تقرير محكمة المحاسبات ؟ وما هو مآل ومصير هذا التقرير الذي رصد إخلالات وتجاوزات لو تأخذ على محمل الجد فإنها سوف تعصف بكل العملية الانتخابية وبكل نتائجها.