امتدت الثورة العربية إلى حدود فلسطينالمحتلة، واندفع اللاجؤون الذين «قَبَرُوهم» في المنافي، نحو الحواجز المادية والنفسية لتحطيمها، وتأكيد اصرارهم على العودة إلى وطنهم المغتصب، واستعادة حقوقهم المشروعة في الأرض والتاريخ والدين والانتماء والمواطنة. وكما كان منتظرا واجهتهم قوات الاحتلال بالأسلحة الحربية الثقيلة لتحصد المئات منهم على مرأى ومسمع من العالم والمنظمات الحقوقية والانسانية، التي لم تحرّك ساكنا، وكأن المدنيين الفلسطينيين لايستحقون حماية دولية أو حتى مجرّد تعاطف إنساني. حدث ما كانت تخشاه اسرائيل وحلفاؤها منذ البداية، وتفطّن الجميع إلى أن الثورة العربية، التي اضطرمت في تونس، وامتدّ لهيبها إلى مصر وبقية البلدان في المنطقة هي الطريق إلى تحرير فلسطين. لم تكن ثورة محليّة، ومحدودة الأهداف، بل كانت شاملة ضدّ الظلم بجميع أشكاله، ظلم الديكتاتوريات الاستبدادية، وظلم الأحزاب الكليانية، وظلم مراكز قوى الفساد، وظلم الاحتلال، وظلم المكاييل الدوليّة المختلفة، فالظلم لايتجزّأ، ويتطلب مواجهة شاملة وطويلة. كانت القيادات العربية قبل اندلاع الثورة،ومازال بعضها إلى حدّ الآن، تستمدّ «شرعيتها» من ولائها للقوى الأجنبية المهيمنة، بما فيها اسرائيل، فتحرص على صيانة مصالحها وتطبيق أجنداتها، على حساب مصالح شعوبها، أما الآن وقد عادت السيادة إلى الشعب، فإن الزحف نحو استرداد جميع الحقوق أصبح مسؤولية جماهيرية مقدّسة، لذلك ارتعدت الديكتاتوريات الكليانية والثيوقراطية، التي لم يطلها لهيب الثورة العارمة بعد، إذ هو يزحف باتجاهها، وارتجّ الكيان الصهيوني فالتجأ إلى ترسانته العسكرية لمواجهة المتظاهرين العزّل، وعمّ القلق الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي. كان الاعتقاد السائد في البداية، ان الثورة العربية ستتوقف عند حدود اسقاط الديكتاتوريات، ولكنها فاجأتهم بتواصل تدفقها التحرري للدفاع عن القضايا العربية التي أهملها وهمّشها الطغاة تواطؤا مع قوى العسف والاستغلال، حتى وصلت إلى حدود فلسطينالمحتلة، ووضعت الكيان الصهيوني ومدعّميه الأمريكيين والأوروبيين في مأزق خطير وليس من المستبعد أن تراجع الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي مواقفها من الثورات العربية، فتعيد تقييم أهدافها، وتخفّض من ايقاع مساندتها «المبدئية» لها، لأن الغرب، وكما أكدنا في مقالات سابقة بهذا الركن، لايُريد ديمقراطية عربية تطالب بالحقوق المشروعة، وتدافع عن قضايا الأمة، وتواجه الاحتلال الاسرائيلي. لكن، مهما كان الأمر، فقد اتخذت الثورة العربية مسارها الصحيح، وأكدت المظاهرات الحاشدة التي اتجهت نحو حدود الأرض المحتلة أن الاطاحة بجميع رموز العسف والطغيان، داخليا وخارجيا، هو الهدف الأساسي للجماهير، ولن تتوقف الثورة إلا بعد تحقيق هذا الهدف.