الوفاق كلمة يدّعيها مختلف الديماغوجيين الذين كثيرا ما ردّدوا على مسامع الجماهير "تونس لا يمكن ان تُحكم إلا بالوفاق"، لكنهم منافقون يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.فما هم بوفاقيّين، بل لا يَصلُحون ولا يُصلِحون.اطماعُهم وشراهتُهم فوق البلاد والعباد!!! (مِن أقوال المرحوم الطاهر الحداد، وقد أدرجها في مقدمة كتابه خواطر: المؤمن هو الذي ينفق من ذاته في سبيل إيمانه، والكافر هو الذي يؤمن بذاتيّته، فيأخذ لها من إيمان الآخرين بخداعِهم!)..رحمه الله! الإسلام والوفاق من أبرز الشواهد الوفاقية حادثةُ نقل الحجر الأسود التي كانت قُبيل البعثة بخمس سنوات..أما في الإسلام فقد اصبح الوفاق فريضة اجتماعية سياسية شواهدها كثيرة لا تحصى، ومنها الآية الكريمة [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم..] او ايضا [وتعاونوا على البرّ والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان..]..وكذلك الحديث الشريف «ليس منا من انتمى الى عصبيّة وقاتل على عصبيّة ومات على عصبيّة» وأيضا «يد الله مع الجماعة»...كلها وصايا بالوفاق ونهيٌ عن "التدافع" ! وطبعا الفكرة الجوهرية بهذا المقال لا تخرج عن وصايا الوفاق الإسلامي بالتحذير من خطورة المغالبة الانتخابية، بإعتبارها مغالبةً مثيرة للأحقاد والعداوات.هذا المقال هو إذن دعوة الى الاستعاضة عنها بالوفاق. وطبعا أسمى صور الوفاق هو "الوفاق المطلق"الذي يكون بتقاسم البرلمان بالتساوي بين مختلف العائلات السياسية (لنا 6 عائلات سياسية). وفي الحقيقة هذا واجب وطني وأخلاقي ،لا سيما والثورة لم يقدها أي طرف.ومن ناحية ثانية هذه العائلات كلها منتشرة بالبلاد، ولها تأثير محسوس ومؤثّر لا يمكن تجاهله،سوى في الحاضر أو في الماضي. وللتذكير، هذا المقترح تمّ عرضُه منذ الأسابيع الأولى لسقوط بن علي.ثم توالى نشرُه بعدة صحف، نذكر منها المقال يوم 19 سبتمبر2011 -لأجل الوفاق الوطني-ثم المقال بصحيفة الصريح -الإنتخابات أُمّ النكبات- وأيضا - ما أشبه الليلة بالبارحة-..أما بصحيفة الصباح فنكتفي بذكر المقال-لا يمكن حمل الزرافة من أذنيها!- الوفاق المطلق الوفاق النزيه المثمر لا يكون إلا بتجميد الإنتخابات التشريعية (الى أجل لا يقلّ عن ثلاث محطات انتخابية ريثما تتخلص البلاد من هذه الطبقة السياسية المتشنّجة المضطغنة!) والإكتفاء بتقاسُمِ البرلمان بالتساوي بين مختلف العائلات السياسية. (وهنا تجدر الملاحظة ان التقاسم الذي تعنيه ليس بين الأحزاب التي عددها يربو على 225 ،وفيها منعدمو الشعبية،وإنما بين العائلات السياسية. وهذا يفرض، كخطوة اجرائية اولية، أن يصرّح كل حزب بالعائلة السياسية التي ينتمي إليها!)وللتوضيح، جميع هذه الأحزاب لا تخرج عن دائرة 6 عائلات فقط ،ثلاثة يسارية وثلاثة يمينية، وهي، نزولا من اليسار الى اليمين: • العائلة ذات الخلفية الشيوعية. • العائلة القومية. • العائلة ذات التوجه الديمقراطي أو البيئي. أما اليمينية فهي: • العائلة الدستورية البورقيبية. • العائلة ذات المرجعية الإسلامية. •وأخيرا العائلة الليبرالة. والفكرة تقوم على تقاسم البرلمان بين هذه العائلات الستة بالتساوي دون اللجوء الى الإنتخابات. أما آلية تحديد النوّاب المستقبليين فتكون بإنتقاء 6 أشخاص من كل ولاية، كل واحد يمثّل تيارًا من التيارات الستة المذكورة.وبما ان لنا 24 ولاية فهذا يعني أن البرلمان سيضم6×24=144 (أما كيفية إنتقاء هؤلاء الأشخاص ال 6 في كل ولاية، فيكون خلال مؤتمر مغلق خاص بمناضلي كل عائلة سياسية، تحت اشراف هيئة الإنتخابات. بمعنى تشرف هيئة الانتخابات في كل ولاية على 6مؤتمرات،والشخص الذي يحصل على اكبر عدد من تزكيات زملائه يكون هو النائب البرلماني) إضافة: لكي يكون البرلمانُ أكثر كفاءة ونجاعة نضيف إليه عددا من الخبراء يكونون موزّعين بحسب اختصاص مختلف الوزارات.مثلا خبيرين في اختصاص كل وزارة.( انتقاء الخبراء يقوم به النواب ال 144 بعد تشكّلهم في أول جلسة لهم) .وبما أن لنا تقريبا 25 وزارة فهذا يعني ان البرلمان سيتكوّن من 194 نائب :144+50=194. ملاحظات : 1- تحسّبا للعائلات السياسية التي ربما تكون فاقدة للشعبية ببعض الولايات،يجب وضع "عتبة" كحد أدنى من المشاركين بكل مؤتمر (1000مناضل كحد أدنى مثلا). 2-بحسب هذا المقترح، مشاركة المواطنين بالخارج تستوجب حضورهم الشخصي.وأيضا هذا المقترح لا مجال فيه ل"القائمات المستقلة".(على كل حال هذا المقترح انما هو إستثنائي من أجل انقاذ البلاد واخراجها من المأزق،فهذا يستوجب تضحيات واجرائات اسثنائية..) 3- قد يقول قائل مستنكرًا: انت بهذا التصوّر "نزعتَ السيادة من الشعب وأسندتها للنخبة"؟!!وهذا صحيح نوعا ما ،فنحن لم نمنع مواطن من الإنخراط بحزب،وإنما منعنا الإنتخاب الإعتباطي بجهل او برشوة، فتكون النتيجة التشويش والبلبلة ، فكما يقول الحطيئة : يا باريَ القوسِ بريًا لستَ تحسنُه* لا تُفسدنْها، وأعطِ القوسَ باريها ! على كل حال، يستحسن عرض البرلمان على الإستفتاء الشعبي،فتكون الكلمة النهائية للشعب. لكن بكل تأكيد، الشعب في هذا الوضع المتردّي، وقد خبرناه بالمكشوف طيلة عشر سنوات عجفاء هوجاء،ليس بمؤهّلٍ لإنتخابات تشريعية بها يتقرر مصير البلاد. ويكفي أن نلاحظ أن نصف الشعب لا يشارك أصلا !!..أما النصف الآخر الذي يشارك فهو على ثلاثة اصناف : • صنف شبه أمي يجهل السياسة ويشارك بجهلٍ ومزاجية، وحتى للتسلية أحيانا.. • صنف من ضعفاء الحال "الزّواوله" وهؤلاء كثيرا ما يكونون عرضة للرشوة، وفيهم من يعتبر موعد الانتخابات "موسم" ! • صنف مسيّس،لكنه شديد التعصّب، وهذا الصنف الذي يبدو "واعيا" هو في الحقيقة الأسوأ على الإطلاق فهو الذي يعمُد الى رشوة "الزواولة"، وهو الذي يدمغج الأميين ليؤثّر على إختياراتهم بمختلف الطرق (سواء بشكل شخصي مباشر، او بوسائل الإعلام أو المساجد).وهو أيضا سبب نفور وعزوف نصف الشعب عن المشاركة الإنتخابية! ختاما سيقول المخلّفون من الأعراب "ومن البلديّة أيضا" هذه احلامٌ مثاليةٌ، وغير دستورية!.. وطبعا هي مثالية، لكنها في رأينا ادنى درجات المثالية! أليست الوطنيةُ مثاليةً تلك التي تفرض حتى التضحية بالنفس؟!! على كل حال إذا كانت "النخبة" تستهين بهذا المقترح، فالحل الوحيد المتبقي لهذه البلاد يكون بيد الشعب، وخاصة منتخبي الرئيس قيس سعيد، فلهم حق الضغط عليه بمختلف السبل حتى يمتثلَ لمتطلّبات المرحلة الخطيرة، فيؤسس هيكلا سياسيا يستعيد وحدة وإرادة الشعب التي ضاعت بفعل هذه الأحزاب الإنتهازية التي بعثرته ومزّقته.. راجع المقال :الصريح، الى الرئيس، الشعب يريد تأسيس.