تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رائف بن حميدة يكتب لكم: هل خان قيس سعيد الأمانة !؟
نشر في الصريح يوم 21 - 07 - 2020

يبدو أن جُل الذين انتخبوا الرئيس قيس سعيد يشعرون بخيبة ظنّهم فيه،فيقولون عنه "ضعيف" أو "غير سياسي"، والكثير منهم لا يُصرّح بندمه على إنتخابه !..
لقد كنتُ من اكثر الناس اقتناعا بالدكتور قيس سعيد.ثم لمّا تزايدَ وتراكم تأزمُ البلاد (خلافا للوعود الكاذبة المخادعة في كل انتخابات..) زاد اقتناعي به كبديل عن الصراعات الحزبية التي عبثت بالبلاد وشتت وحدة الشعب التي بها أُنجزت الثورة .
مَن يعود الى صحيفة «الصريح» بتاريخ 8 افريل 2017 فسيجد مقالي : ضرورة هيئة وطنية.ولقد كانت فكرة المقال الأساسية هي تحريض قيس سعيد للتنسيق، مع غيره من الشخصيات الوطنية النزيهة، لتشكيلهيئة وطنية ( أو جبهة أو تنسيقية...الخ..) بهدف توعية الشعب بضرورة توحيده حتى يحصل على اغلبية برلمانية مريحة تسمح بإصلاح ما يجب إصلاحه من فساد،وخاصة فساد مابعد الثورة( ومن ذلك خاصة "احسن دستور في العالم"...) ويتم هذا طبعا بالتنسيق المباشر مع المواطنين عبر - المجالس المحلية- وهي فكرة صائبة، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وما حكّ ظهرك مثل ظفرك... ولقد نبّهتُ في المقال الى أن المرجو من قيس سعيد ليس الفوز بالرئاسة لمحدودية الصلاحية،وإنما بالسلطة التشريعة بإعتبار الدكتور يحمل بحق مشروعا اصلاحيا طموحا وعميقا !..ولقد كرّرتُ تحريضي له في عدة صحف أخرى وكان ذلك بشكل ملفت الى درجة أنني لما إستمعت إلى محاورته منذ سنة مع بعض الصحفيين الذين سألوه عن دواعي خوض تجربة الانتخابات الرئاسية(وبررها حينها بأنها كانت إستجابة منه لنداء المواطنين) شعرتُ حينها بأنه يعنني شخصيا!..وفي مناسبة أخرى برّر الدكتور عزمه خوض التجربة بالآية الكريمة(( كُتب عليكم القتالُ وهو كُرهٌ لكم)).
أما من الناحية الفعلية فقد كان فوزه بالرئاسية دون التشرعية من بوادر الفشل المحتوم.وهو فشل محسوب عليه هو رغم دراية المواطنين بمحدودية صلاحياته.ولننظر الآن الى الأوضاع المزرية التي تردت فيها البلاد على كل المستوايات.فحتى لو تسامحنا في الأزمة الاقتصادية والتنموية والتشغيلية بإعتبارها "خارجة عن السيطرة "فلا يجوز غض الطرف عن الإجرام والبراكاجات والسطو ناهيك عن العبث بمقدرات البلاد وهيبة الدولة ومؤسساتها من داخل الدولة نفسها. وحتى لو تغاضينا ايضا عن هذا،فهل يعقل السكوت عما يتعرض له مجلس الشعب من همجية مسيئة غير مسبوقة تزيد في تشويه وعزلة الدولة داخليا وخارجيّا.(مهازل شنيعة وصفها معز الصيداوي بالسرك.. أما عمر صحابوا الذي يشترك معه في نفس الامتعاض فقد بادر الى طمأنة الشعب من إستحالة أن تقوم في تونس"حرب إهلية"! ويبدو أن عمر صحابو رأيُه ضعيفٌ لخلوّه من " التشاؤم" ،فسوء الظن من حسن الفطن.وفي الحقيقة رأيه هذا غير صحيح ،فلا توجد بلاد محصنة من النزاعات الاهلية الكبرى،وتونس ذاتها منذ عقود غير بعيدة شهدت حربا أهلية إثر مؤتمر صفاقص 1955 وما ترتّب من نزاع بورقيبي/يوسفي!ّ..(بل من يُعاين الشارع التونسي اليوم ،ومن ذلك البراكاجات والحوادث و المشاجرات بما فيها "الافتراضية" بشبكات التواصل،يدرك أن البلاد في حرب أهلية لكن على "نار هادئة")..
فأين الرئيس قيس سعيد وأين الكفاح والقتال الذي كُتب على المؤمنين الجادين!!؟
إن كل هذه الشرور ومنها خاصة الحرب الأهلية بمجلسالشعب( صار "مجلس الشغب" ) تجري أمام أنظار قيس سعيد كرئيس دولة أودع عنده الشعب امانته وحباه بشرعية إنتخابية إستثنائية تعادل مرّتين تقريبا مجموع ما حصل عليه كل هؤلاء النواب الذي حوّل الكثير منهم البلادَ الى مزبلة يتقاتل فيها البوم ضد الغربان بدعم"لوجستي"من خفافيش الظلام!...فهل نامت نواطير مصر عن ثعالبها؟!..
أن هذه المهازل تدفعني مجددا الى الإصرار والتأكيد على أنه لا منقذ للبلاد إلا بتخليص البرلمان وإنتزاعه من براثن شغب الحزبيين العابثين.وهذا يستوجب حتما الشروع من الآن في بناء تنسيقية وطنية لتجميع اصوات الناخبين في حزمة واحدة متجانسة متناغمة فعالة على شاكلة "الاشعة الليزرية"..إن هذا من أوكد واجبات الرئيس قيس سعيد ( الذي لم نرَ منه لا هيئة وطنية ولا حتى مجالس محلية!...)..ألا يدفع بنا هذا الى الطعن في مصداقيته ووفائه بوعده خلافا للثقة الاستثنائية التي كان الشعب يكنّها له.. حتى أنّ يوم فوزه كان احتفالا جماهيريا بحق وسُميَ ب"حالة وعي" .لكن ما أبعد الخيال عن الحقيقة و"النظري عن العملي"..!).
ختاما نذكّر بتفاهة الداعين الى "انتخابات مبكرة" الذين ينتظرون ان ينبجس منها "ماء زمزم"...لقد كان أولى بهم قبل الدعوة والحلم ب"المبكّرة" النظر في ماهية القاعدة الانتخابية!فأكثر من النصف الشعب لا ينتخب،أما النصف المتبقي فينقسم الى ثلاثة أصناف:
الأول يتكون من الاميين واشابه الاميين الذين لا يكادون يفهمون في السياسة أي شيء.وإنما دافعهم هو حسن النية والوطنية وربما حتى الفضول...
الصنف الثاني ويتكون من الفقراء "الزواولة" وهم فريسة جاهزة سائغة للمسمسرين ببؤسهم .
أما الثلث الأخير فهو المسيّس بحق،لكن اغلبه من المتعصبين دون أدنى مرونة كالزجاج الجارح!( وفي الحقيقة هذا الصنف الذي يبدو "اكثر وعيًا" هو في الحقيقة أسوأ الأصناف جميعا،فهو اصلا المسبب في النفور الانتخابي، وهو أيضا الساعي الى رشوة"الزواولة" وأيضا له تأثير على الصنف الأول من "اشباه الأميين" بدمغجتهم والإستخفاف بهم عن طريق التكفير او التخوين...وهو ايضا وقود الحرب الاهلية!!)
وفي الخلاصة نقول: أليس من البلاهة والسخافة أن ننتظر خيرًا من هكذا انتخابات حتى لو تُعاد مليون مرة!!(لا سيما وأنها قد أُعيدت عدة مرات بلا فائدة ولا حتى ادنى تحسن طفيف!؟؟...انظر مقالي:الصريح،تونس وديمقراطية التدافع)

والمساعدات المالية والعينية
هيكل ما نفسي التي سبق وإن إتخذها ذريعة لخوض الانتخابات الرئاسية !؟ّّفإذا كان الرئيس المنتخب لثورة أكدت الأحداث وما زالت تؤكد أن معضلة تونس ليست إقتصادية ولا إجتماعية ولا ولا..وإنما سياسية.ولقد إنجرّ عن هذه المعضلة السياسية التدهور الشامل: الأمني والإعلامي والفكري والديني
و إن هذه الأزمة السياسية هي صورة طبقا للأصل للعَمَهِ الذي أضل نخبتنا عن الإهتداء الى أسلوب حكم ترسو عليه البلاد بشكل متوازن. ولكن ما سبب هذا العمه !؟
في تقديري هو ناتج عن أمرين : الأول هو الحياكة البلهاء على المنوال الغربي وسراب "سنة أولى ديمقراطية سنة ثانية ديمقراطية".. وهي سخافاتٌ تذكّرنا بالمسرحية الهزلية - الماريشال-..
والثاني هي الأنانية و الأحقاد الفئوية التي تغذيها النخبة(بل هي التي صنعتها أصلا.فقد كان بورقيبة يقول بأنْ لا خوف على هذه البلاد إلا من أولادها؛ وطبعا كان يعني النخبة.ولقد أثبتت الأحداثُ حصافتَه، رحمه الله.) فهذه النخبة التي كانت تصمّ أذاننا وتصف الأنظمة العربية بأنها " أنظمة لا تَصلُح ولا تُصلِح" اثبتت أنها هي الفاسدة المفسدة فلم تنجز سوى تجريد الشعب من إرادته ووحدته التي أسقطت بن علي ،ولكن بعدما أنجز الشعب المهمة بتحركاتٍ عفوية، نزلت علينا هذه النخبة المتطفلة ففتّتت وحدتنا وقسمتنا الى فئات متباغضة متنازعة متشاتمة حتى عبر شبكات التواصل الإجتماعي .لقد صار الشعب اليوم منزوعَ الإرادة كالحبل المقطّع إربا (أو ك "النهر المتجمد " الذي بكاه ميخائيل نعيمة!...)
فبن علي، رغم فساد حكمه ، كانت له على الأقل فضيلة توحيدنا ضده!..
اليوم صار أغلب الشعب يسبّ الثورة سبا مقذعًا.لكن طبعا بإستثناء أتباع حزب النهضة الذين يمجدون حتى الربيع العِبري رغم أنه دمر العرب دمارًا فاق شرور المغول والتتار والصليبيين.ففي الذكرى 6و7 للثورة قال زعيمهم( الذي إنتخب الباجي..) :"بعد ست سنوات من الثورة نحن سعداء،لنا دستور ولنا حكومة وبرلمان منتخب ولنا مجتمع مدني ولنا ولنا وو..لقد حقّقنا إنتقالا ديمقراطيا رائعا "!..(قال الرصافي منذ قرن : "نُخَبٌ" ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ* الكلّ عن المعنى الصحيح محرّفُ!..).
إنّ أغلب الشعب التونسي يحس بهذه الآلام ويدرك هذه المتاهة،ولكن الشعور بالألم لا يعني إيجاد الدواء، وقد قيل - إشعالُ شمعة خير من إضاعة العمر في سب الظلام- أما ماركس ففي مقتبل شبابه فقال الكلمة الشهيرة- قدّم الفلاسة عدة تفسيرات للكون لكن المطلوب تغييره-. أما سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فمن أحاديثه الشريفة - من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه..- ...
إذن فما هو الحل؟
قبل تقديم مقترحي أشير إلى أن المشهد السياسي،وحتى الفكري والإعلامي ومنه التلفزي خاصة، مختطفٌ من طرف "شلة" تتوهم أنها تملك الحقيقة، فكل شيء يجب أن لا يخرج عن دائرتها الضيقة كملعب كرة:الفكر هو ككرة بين أيديهم، يمرّرونها فيما بينهم. أما بقية الشعب فمكانه المدارج والفرجة!( تُرى هل أن الدكتور قيس سعيد كان يشعر بكل هذا الحيف والإحتكار حين إقترح - المجالس المحلية- !!؟..أليس هو القائل: - الدستور هو ما خطّه شباب الثورة على الجدران- !!).
منذ الأشهر الأولى للثورة كتبتُ العديد من المقالات الصحفية(ومن ذلك المقال :ما أشبه الليلة بالبارحة) مؤكدا على أنه لا مخرج من الأزمة إلا بطريقتين لا ثالثة لهما :
إما " بمنتهى القهر" أو " بمنتهى الوفاق" .فما " منتهى القهر" وما " منتهى الوفاق"؟!
فأما "منتهى القهر" ( وبإستبعاد التفويض الشعبي للجيش لمدة زمنية معلومة..فهذا أيضا حل) فيكون بحصول حزب، أو تحالف حزبي، على أغلبية شعبية وبرلمانية ساحقة تحقق الإنفراد بالأمر! ولكن هذا بعيدٌ جدا عن الواقع، فالأحزاب كلها هزيلة، وهي أيضا متنافرة لا أمل في إتحادها ، فحتى الحكومة لم تتشكل إلا بصعوبة قصوى.
بقي إذن "منتهى الوفاق"،فكيف نحصل عليه؟
إن الوفاق الحقيقي مستحيل دون التخلي عن الإنتخابات البرلمانية التي هي سبب البلاوي!لكن العجيب هو أن النخبة السياسية و"الفكرية" لم تطعن ولا مرة واحدة في جدوى هذه الإنتخابات التي نكبت البلاد!..( ننبه هنا الى أن الإنتخابات في جل الأقطار العربية كانت دائما عواقبها وخيمة،ومن ذلك خاصة العشرية السوداء بالجزائر .او انتخابات فلسطين 2006 التي اوقعت الإقتتال بين حماس وفتح... وأيضا مصر حين استحوذ عليها الإخوان...بل ليبيا الآن هي ضحية تمرد الإخوان على خسارتهم في إنتخابات صائفة 2014...) لقد كان أجدر بهذه النخبة السياسية و"الفكرية" أن تنظر على الأقل الى نوعية القاعدة الإنتخابية ومستواها الفكري المتدني! فشق كبير من الناخبين يجهلون السياسة وكواليس السياسة وسيرة وتاريخ السياسيين.وشق آخر يبيعون ذمتهم بالدينار و"بالمقرونة والكسكروت".وشق ثالث مريض بالتعصب الأعمى!..( وشق رابع غير مبالي وغير معني بالسياسة جملة وتفصيلا.وهذا الشق يفوق النصف وقد يصل إلى الثلثين..وهو في تزايد مؤكد !) فلا خير في جاهل ولا شاهد زور ولا متعصّب ولا في غير مبالي.
وحتى المحاصصة التي يتحامل عليها الجميع ،بمن فيهم هذه النخبة السياسية و"الفكرية" ، إنما وليدة المغالبة الإنتخابية التي ذكرنا (أي"التدافع")! أليس هذا صحيحا !؟؟
نقول بكل يقين: إن الوفاق مستحيل دون إجتناب الإنتخابات وتقاسم البرلمان بالتساوي التام بين جميع التيارات السياسية دون إقصاء تيار أو تغوّل آخر!!!..(وإن هذا ينسحب على تونس وعلى غير تونس من أقطار الربيع العِبري.فهذه هي أصلا الديمقراطية الإسلامية الحقة لمن كان له شرف الإنتماء للحضارة العربية الإسلامية؛ولمن له في رسول الله الأسوة الحسنة،ومن ذلك حين جرى تحكيمه عليه الصلاة والسلام قبيل البعثة حين تنازعت قبائل العرب على أحقية وضع الحجر الأسود..) وعموما هذه هي الديمقراطية المثمرة لمن يحترم هويّة بلاده وأمنَها ومقدّراتَها.
صحيح لدينا أحزاب كثيرة ،لكن من السهل تبويبها الى ستة تيارات،ثلاثة يسارية وثلاثة يمينية وهي :
التيار ذو الخلفية الشيوعية، التيار القومي،والتيار ذو التوجه الديمقراطي.ثم من جهة اليمين:التيار الدستوري البورقيبي،التيار الإسلامي.وأخيرا التيار الليبرالي.
أما تفاصيل العملية فهي:
نتجنّب الإنتخابات التشريعية ، وبدلا منها تشرف الهيئة في كل ولاية على6 مؤتمرات ،يكون كل مؤتمر مخصص لتيّار فقط من هذه التيارات الستة التي ذكرنا.ومن يحظى بأكبر عدد من تزكيات رفاقه يكون هو النائب المجمع عليه بذلك المؤتمر!
وبما أن لنا 24 ولاية فهذا يعني أن البرلمان سيكون به 144 نائب.
(وإذا أردنا للبرلمان مزيد النجاعة، فربما يقوم هؤلاء النواب إثر تشكّلهم بإختيار عدد من الخبراء يكونون موزعين على إختصاصات مختلف الوزارات،أو الوزارات الأساسية.فمثلا لو نعتمد خبيرين إثنين لكل وزارة، فسيكون مجموع البرلمان 194 نائبا .144+50=194.)
لكن "العقبة الكأداء" في الإنتظار وبالمرصاد!! . فالشعب الكريم بكل تأكيد يرحب بهذا كل الترحيب.أما الأوصياء" فسيتحاملون وربما يقول بعضهم "هذا غير دستوري" أو "ما سمعنا بهذا من قبل،ولن نتّبع إلا ما وجدنا عليه غيرَنا"...إلخ.. فهذه النخبة ، بشقّيها العلماني والإخواني، هي في الحقيقة تغريبية عقيمة ، تقدّس الإتباع وتكفر بالإبتداع. هي تقطع الساق لتوافق الحذاء.فليس الحذاء في خدمة الساق،بل الساق في خدمة الحذاء وإن تعفّنت وتهدّدها البتر ! (لا سيما إذا كان الحذاء مستوردًا !..فما أتاكم به الغربُ فخذوا وما نهاكم عنه فاجتنبوه.. فحتى فكرة المجالس المحلية التي إقترحها الدكتور الرئيس قيس سعيد نفروا منها و إستهجنوها.. أنظر مقالي بالتصريح: لماذا النخبة سبب النكبة؟!).
إنها نخبة مشحونة بكل ما هو سلبي، احقاد وضغائن ونرجسية وانانية وزعامتية ( زعامات مدى الحياة دون تداول..لكن تزعم "بناء الديمقراطية"!)هي لا تؤمن حقيقة بالرأي المخالف،بل تحلم حتى بإنقراض غيرها للإنفراد بالأمر! ولكن لنفترض تحقق لها هذا "الإنقراض"،فهل "التدافع" سيتوقف !؟ ألم يقع"تدافع" في صلب هذه التيارات نفسها !؟ ألم يحدث تصدع وإنشقاق داخل نداء تونس.. والمؤتمر..والقوميين ..والشيوعيين..وتنازعَ الإخوانُ وتقاتل الدواعشُ..
إن العقلية السوية تفرض القبول بالآخر،لأن هذه الإختلافات هي في الحقيقة نتيجة لعوامل تاريخية و إجتهادات ووجهات نظر متشعبة.فالحكمة تفرض كبح الأنانية والأماني الفردية من أجل الإمتثال للأمر الواقع؛فما كل ما يتمنى المرءُ يدركُه؛وقيل أيضا : ومِن نَكَدِ الدنيا على الحُر أن يرى* عدوًّا له، ما من صداقته بدُّ..
على كل حال، وبحسب هذا المقترح ، التيارات السياسية الستة المذكورة لن يكون تمثيلها البرلماني متساويا بتمام التمام ، فالتي تكون ضعيفة التواجد بجهة ما لن تحصل على نائب(ربما نحتاج هنا إلى وضع نصاب بكل مؤتمر: 1000 منخرط مثلا كحد أدنى؛ وهذا تحسبا الى أن بعض التيارات ربما تضعف على المدى الطويل فلا تبقى سوى قلة قليلة)..
أعتقد أن هذا المقترح حتى من حيث التكلفة أقل من الإنتخابات! وهو بكل يقين أنقى بكثير حيث لا يترك مجالا لمشاركة انتخابية دون دراية أو بالرشوة ( ناهيك عن الوعود الكاذبة والسياحة النيابية.. وما خفي كان أعظم!..).وعموما هذا المقترح يصلح على الأقل كمرحلة إنتقالية لعقد أو عقدين ريثما تتخلص البلاد من هذا الطبقة السياسية الحقودة المتنافرة !..
قد يقول البعض "أنت حرمت الذين بالخارج من المشاركة!" وقد يقول البعض الآخر " أنت لم تترك مكانا للقائمات المستقلة؟"..وربما يقول ثالث "أنت سحبت السيادة من الشعب وأسندتها الى النخبة!".. وبما أن هذا التحامل الأخير جِدّي لا يستهان به ويستحق الإجابة فسنقول: أولًا نحن لم نمنع أي مواطن من الإنخراط الحزبي الفاعل من أجل مشاركة واعية مسؤولة ؛ وإنما فقط منعنا المشاركة بجهل أو بمتاجرة.ثم ومن ناحية ثانية، ولسد الذرائع،نقرّ بأنه من الأكمل عرض هذا البرلمان حين يتشكل على الإستفتاء الشعبي!
ختاما : هذا المقترح يتجاوز بكثير مقترح إعتماد نظام الأفراد بدلا من القائمات؛ أو مقترح النظام الرئاسي( نذكّر هنا بأن النظام الرئاسي هو أيضا مأزق ومطبّ؛فالحزبية والفئوية السائدة تتنافى وإيجاد من له كاريزم يسمح بتسليمه البلاد "خاتم في الإصبع"( ربما قيس سعيد إستثناء لن يتكرر!).إنّ الحالمين بنظام رئاسي بلاهتُهم كبلاهة الذي "يحضّر الحصير قبل الجامع".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.