محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    المهدية.. إنتشال 9 جثث لفظها البحر    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    القصرين.. رعاة وفنانو ومبدعو سمامة يكرمون الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي    أخبار باختصار    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    صفاقس الإحتفاظ بالكاميرونية "كلارا فووي" واحالتها للتحقيق    أخبار المال والأعمال    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    مجلس الوزراء يوافق على جملة من مشاريع القوانين والقرارات    عاجل/ سعيّد: الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول المساس بأمنها    دامت 7 ساعات: تفاصيل عملية إخلاء عمارة تأوي قرابة 500 مهاجر غير نظامي    عاجل/ جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابطين وإصابة آخرين في قطاع غزة    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد اللطيف الفراتي يكتب لكم: الإيجابي والسلبي بعد 10 سنوات ثورة
نشر في الصريح يوم 18 - 12 - 2020

صباح يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 حدث ما حدث مما سيكون له شأن على التاريخ المعاصر والحديث للبلاد، والمنطقة العربية عموما، فقد حصلت مشادة بين موظفة بلدية من موظفي سيدي بوزيد، والبائع المتجول طارق البوعزيزي الذي سيشتهر لاحقا باسم (محمد البوعزيزي)، وسيقال إن قناة الجزيرة هي التي أطلقت عليه هذه التسمية، باعتبار أن اسم محمد هو أشد وقعا من اسم طارق في المخيال الشعبي.
كان طارق البوعزيزي (ودعنا نسميه باسمه الحقيقي) لا كما أزهر في شوارع مختلف المدن التونسية، كان سادس تونسي يشعل النار في نفسه تلك السنة 2010
ولن يذكر التاريخ سواه، فلم يلفت أحد منهم الأنظار صدفة أو لأمر ما، حتى جاءت اللحظة المناسبة؟
كانت حصلت مشادة بين الموظفة البلدية المكلفة بمطاردة الباعة المتجولين بعرباتهم الصغيرة (البرويطة) لشكوى تقدم بها التجار من المنافسة غير المتكافئة التي أضرت بهم، احتجزت الموظفة أحجار الميزان (الصروف) التي يستعملها لوزن مبيعاته، وهي أداته الرئيسية للعمل، فما كان منه إلا أن لمس مكانا حساسا من بدنها، قائلا لها أزن بهذا فصفعته على خده لما اعتبرته مسا من حيائها أمام الناس، لم يقبل أن تصفعه امرأة أمام الرجال في مجتمع ذكوري، واعتبر ذلك من الكبائر خاصة في مجتمع ريفي، وستفترق الشهادات ولكن الأكيد هو أنه سكب البنزين على بدنه، وأشعل نفسه، هل يكون تلقى مساعدة أم لا .... تختلف الأقوال؟
خرجت مظاهرة عفوية أمام مركز الولاية، تم إيقاف الموظفة قبل أن يطلق سراحها، ويتم نقل البوعزيزي إلى مستشفى الحروق البليغة في حالة ميؤوس منها، ويزوره الرئيس زين العابدين بن علي ليتوفى البوعزيزي لاحقا، فيلتهب أوار ثورة مدمرة زاد من التهابها، الفايس بوك من جهة وقناة الجزيرة من جهة أخرى.
وسيتضح لاحقا أن ما حصل في تونس وكانت رائدة في هذا المجال ، لم يكن يخلو من إيحاء خارجي في أدنى الأحوال، وسيبرز ذلك في جلاء بالنسبة لمصر، عبر المذكرات الأخيرة للرئيس أوباما "أرض الميعاد "، وإذ نبقى في الداخل التونسي، فما جرى كان كافيا لا لثورة واحدة بل لألف ثورة، فقد كان الكابوس خانقا والأنفاس معدودة على أصحابها، والآفاق مسدودة وما بدا من ازدهار ترجمته نسبة نمو عالية نسبيا، لم يكن ليخفي سوء في توزيع الثروة بين الأفراد والجهات، و استشراء فساد جم كانت تأتيه عائلة تستزيد من الاستيلاء على كل ما يمكن أن تمتد له أيديها، لا يردعها رادع ، كل ذلك في ظل كبت للحريات جميعها، وشعور عميق بالضيم والقهر من طبقة وسطى ونخبة، لم تجد لنفسها من مكان للإسهام في بناء البلاد بفكرها وطموحها للفعل في إطار من الديمقراطية وحرية التعبير والفكر، وهي المؤهلة لان تكون طليعة المجتمع ، بالتالي اجتمع ما لا يجتمع عادة ، إلا في حالة ما قبل ثورية، توفرت الكيمياء الخاصة بها في تونس ، خلال السنوات ما قبل الإنفجار، وإني لأذكر أني كنت في أوائل خريف 2010 متجها صحبة الأستاذ محمود بن رمضان إلى موعد معين، وهو من هو علما وبصيرة، وبعد نظر، عندما سألته بلادنا إلى أين؟ أجابني في لهجة الواثق: لن يدوم الأمر طويلا، ثم ..كل الدلائل تشير أن الانفجار قادم متى بعد شهر شهرين ثلاثة ولكن الأمر لن يطول...
عندما زلزلت الأرض زلزالها تحت أقدام الحاكمين في أواخر 2010 ، استغربت النخبة رد فعل السلطة ولم تفهم أنها قضية وجود، ولذلك لم تدرك مبررات عنف رد الفعل، ولم يدر بخلدها أنها بصدد مسألة حياة أو موت بالنسبة لنظام كامل ليس مبررا ولكنه منطقيا مفهوم.
الثورة بمنطق قانون إحصاء " الشهداء "، الذي أوكله القانون بصفة منفردة للجنة شهداء الثورة ومصابيها دون غيرها ، والتي كان آخر رئيس لها هو توفيق بودربالة انتهت بعد طول دراسة وتمحيص على مدى سنوات إلى أن العدد الفعلي للشهداء هو 129 وللجرحى هو 634، وإذ احتج الكثيرون فإن عددا كبيرا منهم وعندما عرفوا بتفاصيل الحدود التي حددها القانون زمنا وتوصيفا لطبيعة الشهيد أو الجريح اقتنعوا.
**
ما حصل ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 هل يمكن اعتباره ثورة ؟ هذا هو السؤال الذي طرح نفسه منذ ذلك الحين ، نعم ولا.
نعم على اعتبار أن الشعب خرج للشارع ، وأسقط نظام حكم قائم ، كان يعتقد نفسه راسخا.
ولا لأنه لم يقم على تنظير ولا قيادة على شاكلة الثورات الفرنسية في 1789 أو البلشفية في روسيا سنة 1917 أو الإسلامية في إيران في سنة 1978/1979، وفي لقاء في كلية العلوم القانونية في المنزه ، جمعني بالأستاذ الأزهر القروي الشابي، عميد المحامين الأسبق ووزير العدل الأسبق ، ورئيس جمعية النهوض بالدراسات القانونية ، والدكتورة نائلة بن شعبان عميدة الكلية ،والأستاذ قيس سعيد رئيس الجمهورية الحالي ، تطرق الحديث إلى طبيعة الأحداث في تونس أيامها ، وكانت نظرية قيس سعيد وهو أستاذ للقانون الدستوري، أنه لا شك في أن ما حدث في تونس هو ثورة ، ولكنها ثورة تخرج عن المألوف والأنماط العادية للثورات atypique، باعتبار طبيعة المرحلة ، والثورة الاتصالية السائدة عبر الأقمار الصناعية، والقنوات المفتوحة و الفايس بوك ، والتقارب زمنا ومسافات الذي فرضه واقع جديد.
كانت شرارة انطلقت منها تحركات غالبا اجتماعية ، وجدت صداها في مختلف أنحاء البلاد ، وبلغت الأوج في صفاقس يوم 12 جانفي وفي العاصمة يوم 14 جانفي، ولكن السؤال يبقى ملحا بعد 10 سنوات: هل كان ذلك كافيا لو لم يهرب بن علي من البلاد، عن طيب خاطر أو مدفوعا من علي السرياطي خوفا عليه أو طمعا في الحكم…
لا يهم.
لم أقرأ لليوم ولو كان التقصير مني، أي تشريح لطبيعة الذين خرجوا للشارع في تلك التحركات ولو كان واضحا ، من طبيعة الشعارات المرفوعة، أنهم من أتباع اتحاد الشغل ، سواء منخرطين أو مجرد أنصار، ولعل من المحاولات القليلة التي اطلعت عليها ، نفي لأن تكون الأحزاب موالاة أو معارضة ، قد شاركت أو قادت تلك التحركات ، وحتى حزب حركة النهضة الذي سيدعي لاحقا أنه كان من بين قيادات الحراك، قد انكمش أيامها خوفا من أن تسقط على رأسه مطارق النظام.
لعل اليسار وحزب العمال هما الأقرب لأن يكونا قادا التحركات تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وقفت قيادته أيامها في موقف لا يمكن أن يوصف بأنه مؤيد للحراك حتى لا نقول للثورة .
وخلال القصبة 1 والقصبة 2 حيث تجمع الألوف إن لم يكن أكثر قادمين من كل حدب وصوب، لاحظنا خلو وفاض أعداد كبيرة من أي مطلبية سياسية، وخاصة انتخاب مجلس تأسيسي وسن دستور جديد، وهذا ما يفسر فشل القصبة 3 ، باعتبار أن مطالب تلك الجماهير كانت اجتماعية لا سياسية.
وكانت الحصيلة :
1/ سقوط بن علي وبقاء نظامه
2/ تحويل وجهة الثورة بامتصاص زخمها وتحويله عن مقاصده الأصلية، وتحقيق استفادة كبيرة للنهضة التي لم تشارك في الثورة ولكنها ركبتها، وإن كانت شاركت بقسط كبير في زعزعة النظام بتضحياتها، هي والمعارضات الراديكالية العلمانية.
3/ الإبقاء على أركان الدولة العميقة مع محاولات النهضة فرض ملامح سياسات التمكين.. عبر هنات دستور جديد يحمل في طياته تناقضات كبيرة، ويمنع قيام استقرار يدفع بالبلاد إلى الأمام…
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.