وزارة التجهيز تدعو الى الالتزام بالتشوير على الطرقات    ولاية اريانة: زيارة والي الجهة لعدد من المنشات التابعة للديوان الوطني للتطهير    مصادر: فريق ترامب للأمن القومي يعيد النظر في استراتيجيته تجاه غزة    نادي النصر يدخل كريستيانو رونالدو في قائمة المليارديرات    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات - المنتخب النيجيري يحرز اللقب    وائل جسار في مهرجان الحمامات الدولي: سهرة الحنين والطرب الأصيل    بلدية تونس تنظم الجائزة الكبرى لمدينة تونس للفنون التشكيلية 20َ25    صفاقس : عرض فيلم "صاحبك راجل " ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    شركة النقل بتونس تعلن عن تعرض مستودع الحافلات بالزهروني الى حريق جزئي وتفتح تحقيقا في الحادث    شاحنات مساعدات بدأت بالتوجه إلى غزة قادمة من مصر    القضاء الإيراني ينفذ حكم الإعدام بعنصرين من "زمرة المنافقين"    غلق النفق الواقع على مستوى محول بئر القصعة غدا الاثنين من السادسة صباحا إلى الثامنة ليلا    كرة القدم العالمية : على أي قنوات تُبث مباريات الأحد 27 جويلية ؟    ناد فرنسي يسعى لإعادة نيمار إلى الملاعب الأوروبية    إصابة عدة أشخاص في عملية طعن بولاية ميشيغان الأمريكية    مأساة تحولت إلى لغز.. اختفاء جثة راكب هندي توفي اثناء رحلة جوية!    أخبار المونديال الاصاغر للكرة الطائرة .. الهزيمة الثالثة امام إيران    النيابة تأذن بالاحتفاظ بمغني الراب ALA    صفاقس: طفل ال 4 سنوات يلقى حتفه غرقا    القصرين: تراجع إنتاج الهندي    زعيم اليسار الفرنسي .. لابد من تدخل عسكري فرنسي فالاعتراف بفلسطين لا يكفي    تونس – STEG تُصدر إشعارًا لمستخدميها    أعلام من بلادي .. ابن منظور: المؤرخ والأديب القفصي... بالتبني    تاريخ الخيانات السياسية (27) كل يوم خليفة في بغداد    عاجل/ آخر مستجدات اضراب بطاحات جربة المقرر بداية من يوم 31 جويلية..    إيرادات العمل والسياحة    عاجل/ الاطاحة بشبكة لترويج المخدرات بهذه الولاية…    استعدادات شركة الستاغ    آخر مستجدات الحرائق الجبلية بسليانة..#خبر_عاجل    عاجل/ إعلان حالة الطوارئ على متن سفينة 'حنظلة' المتّجهة لغزة..    امام شبابيك مغلقة وفي سهرة استثنائية:نجاح تاريخي للنجمة لطيفة العرفاوي في قرطاج    الكاف: هيئة مهرجان بومخلوف تسلط الضوء عن عروضه    مباراة ودية: تعادل الاتحاد المنستيري والترجي الجرجيسي 1 - 1    أخبار الحكومة    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    وائل جسّار في تونس: سهرة اليوم في الحمّامات    عاحل: غدا تغلق ''بلاتفورم'' التوجيه الجامعي...سارع في التسجيل    رقدت درج على يدك...رد بالك من شنوا ينجم يصيرلك    أستاذة فقه تثير الجدل: تعاطي "الحشيش" ليس حراما!!    صادم.. دراسة تكشف كيف سرّعت جائحة كورونا الشيخوخة في أدمغة البشر    "24 عطرا - نجوم سمفونية" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تحتفل بالهوية التونسية    فوزي البنزرتي مدربًا جديدًا للنادي الإفريقي    تونس تسعى الى بناء علاقات مع الصين خارج الاسواق التقليدية    عاجل/ زعيمها موظف بوزارة: هذا ما تقرّر ضد عصابة لترويج المخدرات    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة..وهذه المناطق معنية أكثر من غيرها    كميات الامطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    فاكهة الموز: قصص حقيقية ومفاجآت لا تُصدّق!    نظيم الدورة الأولى من المعرض الوطني المتنقل للصناعات التقليدية بالمنستير من 07 الى 24 اوت القادم    مستعدون للسنة الدراسية الجديدة؟ تسجيل أطفال التحضيري يبدأ قريبًا    تركيز وحدة متطورة للفحص في مجال امراض الحلق والانف والاذنين بالمستشفى الجهوي بقبلي    كيفاش نستعملو الفيتامينات؟ الدكتور رضا مكني يوضّح للتونسيين الطريقة الصحيحة    عاجل/ وفاة زياد الرحباني    طقس السبت: الحرارة في تراجع    عاجل/ تطور نسق بيع السيارات الشعبية في تونس..وهذه الماركات الأكثر رواجا..    سليانة: تقدم موسم الحصاد بنسبة 98 بالمائة    شهر صفر يبدأ السبت.. شنو هو؟ وهل لازم نصومو فيه؟    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    موجة حر شديدة وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي: احمي نفسك وأحبائك من الحرارة القاتلة دون مكيف بهذه الخطوات..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد اللطيف الفراتي يكتب لكم: الإيجابي والسلبي بعد 10 سنوات ثورة
نشر في الصريح يوم 18 - 12 - 2020

صباح يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 حدث ما حدث مما سيكون له شأن على التاريخ المعاصر والحديث للبلاد، والمنطقة العربية عموما، فقد حصلت مشادة بين موظفة بلدية من موظفي سيدي بوزيد، والبائع المتجول طارق البوعزيزي الذي سيشتهر لاحقا باسم (محمد البوعزيزي)، وسيقال إن قناة الجزيرة هي التي أطلقت عليه هذه التسمية، باعتبار أن اسم محمد هو أشد وقعا من اسم طارق في المخيال الشعبي.
كان طارق البوعزيزي (ودعنا نسميه باسمه الحقيقي) لا كما أزهر في شوارع مختلف المدن التونسية، كان سادس تونسي يشعل النار في نفسه تلك السنة 2010
ولن يذكر التاريخ سواه، فلم يلفت أحد منهم الأنظار صدفة أو لأمر ما، حتى جاءت اللحظة المناسبة؟
كانت حصلت مشادة بين الموظفة البلدية المكلفة بمطاردة الباعة المتجولين بعرباتهم الصغيرة (البرويطة) لشكوى تقدم بها التجار من المنافسة غير المتكافئة التي أضرت بهم، احتجزت الموظفة أحجار الميزان (الصروف) التي يستعملها لوزن مبيعاته، وهي أداته الرئيسية للعمل، فما كان منه إلا أن لمس مكانا حساسا من بدنها، قائلا لها أزن بهذا فصفعته على خده لما اعتبرته مسا من حيائها أمام الناس، لم يقبل أن تصفعه امرأة أمام الرجال في مجتمع ذكوري، واعتبر ذلك من الكبائر خاصة في مجتمع ريفي، وستفترق الشهادات ولكن الأكيد هو أنه سكب البنزين على بدنه، وأشعل نفسه، هل يكون تلقى مساعدة أم لا .... تختلف الأقوال؟
خرجت مظاهرة عفوية أمام مركز الولاية، تم إيقاف الموظفة قبل أن يطلق سراحها، ويتم نقل البوعزيزي إلى مستشفى الحروق البليغة في حالة ميؤوس منها، ويزوره الرئيس زين العابدين بن علي ليتوفى البوعزيزي لاحقا، فيلتهب أوار ثورة مدمرة زاد من التهابها، الفايس بوك من جهة وقناة الجزيرة من جهة أخرى.
وسيتضح لاحقا أن ما حصل في تونس وكانت رائدة في هذا المجال ، لم يكن يخلو من إيحاء خارجي في أدنى الأحوال، وسيبرز ذلك في جلاء بالنسبة لمصر، عبر المذكرات الأخيرة للرئيس أوباما "أرض الميعاد "، وإذ نبقى في الداخل التونسي، فما جرى كان كافيا لا لثورة واحدة بل لألف ثورة، فقد كان الكابوس خانقا والأنفاس معدودة على أصحابها، والآفاق مسدودة وما بدا من ازدهار ترجمته نسبة نمو عالية نسبيا، لم يكن ليخفي سوء في توزيع الثروة بين الأفراد والجهات، و استشراء فساد جم كانت تأتيه عائلة تستزيد من الاستيلاء على كل ما يمكن أن تمتد له أيديها، لا يردعها رادع ، كل ذلك في ظل كبت للحريات جميعها، وشعور عميق بالضيم والقهر من طبقة وسطى ونخبة، لم تجد لنفسها من مكان للإسهام في بناء البلاد بفكرها وطموحها للفعل في إطار من الديمقراطية وحرية التعبير والفكر، وهي المؤهلة لان تكون طليعة المجتمع ، بالتالي اجتمع ما لا يجتمع عادة ، إلا في حالة ما قبل ثورية، توفرت الكيمياء الخاصة بها في تونس ، خلال السنوات ما قبل الإنفجار، وإني لأذكر أني كنت في أوائل خريف 2010 متجها صحبة الأستاذ محمود بن رمضان إلى موعد معين، وهو من هو علما وبصيرة، وبعد نظر، عندما سألته بلادنا إلى أين؟ أجابني في لهجة الواثق: لن يدوم الأمر طويلا، ثم ..كل الدلائل تشير أن الانفجار قادم متى بعد شهر شهرين ثلاثة ولكن الأمر لن يطول...
عندما زلزلت الأرض زلزالها تحت أقدام الحاكمين في أواخر 2010 ، استغربت النخبة رد فعل السلطة ولم تفهم أنها قضية وجود، ولذلك لم تدرك مبررات عنف رد الفعل، ولم يدر بخلدها أنها بصدد مسألة حياة أو موت بالنسبة لنظام كامل ليس مبررا ولكنه منطقيا مفهوم.
الثورة بمنطق قانون إحصاء " الشهداء "، الذي أوكله القانون بصفة منفردة للجنة شهداء الثورة ومصابيها دون غيرها ، والتي كان آخر رئيس لها هو توفيق بودربالة انتهت بعد طول دراسة وتمحيص على مدى سنوات إلى أن العدد الفعلي للشهداء هو 129 وللجرحى هو 634، وإذ احتج الكثيرون فإن عددا كبيرا منهم وعندما عرفوا بتفاصيل الحدود التي حددها القانون زمنا وتوصيفا لطبيعة الشهيد أو الجريح اقتنعوا.
**
ما حصل ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 هل يمكن اعتباره ثورة ؟ هذا هو السؤال الذي طرح نفسه منذ ذلك الحين ، نعم ولا.
نعم على اعتبار أن الشعب خرج للشارع ، وأسقط نظام حكم قائم ، كان يعتقد نفسه راسخا.
ولا لأنه لم يقم على تنظير ولا قيادة على شاكلة الثورات الفرنسية في 1789 أو البلشفية في روسيا سنة 1917 أو الإسلامية في إيران في سنة 1978/1979، وفي لقاء في كلية العلوم القانونية في المنزه ، جمعني بالأستاذ الأزهر القروي الشابي، عميد المحامين الأسبق ووزير العدل الأسبق ، ورئيس جمعية النهوض بالدراسات القانونية ، والدكتورة نائلة بن شعبان عميدة الكلية ،والأستاذ قيس سعيد رئيس الجمهورية الحالي ، تطرق الحديث إلى طبيعة الأحداث في تونس أيامها ، وكانت نظرية قيس سعيد وهو أستاذ للقانون الدستوري، أنه لا شك في أن ما حدث في تونس هو ثورة ، ولكنها ثورة تخرج عن المألوف والأنماط العادية للثورات atypique، باعتبار طبيعة المرحلة ، والثورة الاتصالية السائدة عبر الأقمار الصناعية، والقنوات المفتوحة و الفايس بوك ، والتقارب زمنا ومسافات الذي فرضه واقع جديد.
كانت شرارة انطلقت منها تحركات غالبا اجتماعية ، وجدت صداها في مختلف أنحاء البلاد ، وبلغت الأوج في صفاقس يوم 12 جانفي وفي العاصمة يوم 14 جانفي، ولكن السؤال يبقى ملحا بعد 10 سنوات: هل كان ذلك كافيا لو لم يهرب بن علي من البلاد، عن طيب خاطر أو مدفوعا من علي السرياطي خوفا عليه أو طمعا في الحكم…
لا يهم.
لم أقرأ لليوم ولو كان التقصير مني، أي تشريح لطبيعة الذين خرجوا للشارع في تلك التحركات ولو كان واضحا ، من طبيعة الشعارات المرفوعة، أنهم من أتباع اتحاد الشغل ، سواء منخرطين أو مجرد أنصار، ولعل من المحاولات القليلة التي اطلعت عليها ، نفي لأن تكون الأحزاب موالاة أو معارضة ، قد شاركت أو قادت تلك التحركات ، وحتى حزب حركة النهضة الذي سيدعي لاحقا أنه كان من بين قيادات الحراك، قد انكمش أيامها خوفا من أن تسقط على رأسه مطارق النظام.
لعل اليسار وحزب العمال هما الأقرب لأن يكونا قادا التحركات تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وقفت قيادته أيامها في موقف لا يمكن أن يوصف بأنه مؤيد للحراك حتى لا نقول للثورة .
وخلال القصبة 1 والقصبة 2 حيث تجمع الألوف إن لم يكن أكثر قادمين من كل حدب وصوب، لاحظنا خلو وفاض أعداد كبيرة من أي مطلبية سياسية، وخاصة انتخاب مجلس تأسيسي وسن دستور جديد، وهذا ما يفسر فشل القصبة 3 ، باعتبار أن مطالب تلك الجماهير كانت اجتماعية لا سياسية.
وكانت الحصيلة :
1/ سقوط بن علي وبقاء نظامه
2/ تحويل وجهة الثورة بامتصاص زخمها وتحويله عن مقاصده الأصلية، وتحقيق استفادة كبيرة للنهضة التي لم تشارك في الثورة ولكنها ركبتها، وإن كانت شاركت بقسط كبير في زعزعة النظام بتضحياتها، هي والمعارضات الراديكالية العلمانية.
3/ الإبقاء على أركان الدولة العميقة مع محاولات النهضة فرض ملامح سياسات التمكين.. عبر هنات دستور جديد يحمل في طياته تناقضات كبيرة، ويمنع قيام استقرار يدفع بالبلاد إلى الأمام…
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.