اليوم وبعد أيام متواصلة من الاحتجاجات الليلية والصدامات مع قوات الأمن وأعمال الشغب التي تسببت في حصول أضرار في الممتلكات العامة والخاصة، انتقل هذا الحراك الاجتماعي الذي يقوده شباب الأحياء المهمشة إلى مظاهرات في وضح النهار تجوب شوارع العاصمة وشوارع الكثير من المدن التونسية بعد أن لقى مساندة واعترافا من جهات سياسية ونشطاء المجتمع المدني ومعه انتقل النقاش إلى تحليل الشعارات التي رفعت في هذا التحول الذي يعرفه هذا الحراك الاحتجاجي وخاصة شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " الذي عاد بقوة في الآونة الأخيرة مذكرا بالأيام الأولى التي رافقت قيام الثورة التونسية منذ عشر سنوات ومستعيدا المطلب الرئيسي الذي خرج من أجله الشعب و هو التشغيل والكرامة وتحسين الوضع الاجتماعي ولكن إذا كان هذا الحراك الشبابي يرمي إلى تصحيح مسار الثورة واستعادة أهدافها التي سرقت من أصحابها وعدم الاعتراف بالمنظومة التي تحكم اليوم والتي يتهمها أصحاب الحراك بأنها خانت الثورة وتنكرت لأهدافها ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو ما هي المنظومة التي يرفضها هذا الحراك والتي يريدها أن ترحل ؟ وهل يقصد بالمنظومة التي يراد لها أن تتنحى كامل مكوناتها أم جزء منها فحسب على اعتبار وأن المنظومة التي تحكم اليوم مكوناتها منظومة الأحزاب سواء التي في الحكم أو التي في المعارضة ومؤسسة البرلمان ومؤسسة الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسة الرئاسة بما يعني أن مطلب إسقاط النظام يفهم منه تنحية كامل هذه المنظومة دون استثناء غير أن الإشكال الذي يطرحه هذا الشعار المرفوع أنه يستثنى مؤسسة الرئاسة بما يعني أن غضب الحراك يطال الأحزاب السياسية والحكومة التي يطلب منها أن تستقبل والبرلمان الذي يراد له أن يحل في حين أن مؤسسة الرئاسة مستثناة من هذا الطلب وهو مأزق كبير يعرفه هذا التحرك نظرا لكون رئيس الجمهورية يعد من ضمن منظومة الحكم وإذا كان هناك فشل فإن الفشل يكون شاملا ولا يستثني منه أحد بما يعني أن قيس سعيد معني هو الآخر بشعار الشعب يريد إسقاط النظام. إن الإحراج في شعار إسقاط النظام إلى جانب شموله لمؤسسة الرئاسة وما يسببه من إحراج للرئيس قيس سعيد الذي يجد نفسه معني بغضب الشارع هو أن هذه المنظومة التي تحكم اليوم قد جاءت بعد انتخابات ديمقراطية وأفرزتها نتائج صناديق الاقتراع مما يجعل من كل دعوة لإسقاطها من خارج الآليات الديمقراطية هي انقلاب على المؤسسات الشرعية التي لا يمكن تنحيتها من خارج الانتخابات وهذا يعني أن السياق الديمقراطي يأبى الوصول إلى السلطة أو المطالبة بالحقوق بتحريك الشارع ومن خلال الاحتجاجات في الشوارع . الإحراج الآخر لشعار إسقاط النظام والمطالبة بتنحية كامل منظومة الحكم الذي تشكلت بعد 14 جانفي 2011 هو معرفة مداها ومعرفة أفقها البعيد الذي لا يعلم عنه شيئا فالمشكل في مطلب الحراك اليوم هو في غياب البديل عن المنظومة الحالية و في المجهول الذي تدفع إليه البلاد بعد أن نكون قد أسقطنا كل شيء وأعدنا ترتيب البيت من جديد من خارج اللعبة الديمقراطية وهو سلوك لا نملك معه أي ضمانات لنجاحه وإخراج البلاد من أزمتها السياسية من دون هزات كبيرة وأحداث زلزال مدمر لكل المسار الذي سارت عليه البلاد بعد سقوط منظومة حكم بن علي. اليوم من يدفع نحو اسقاط كامل منظومة الحكم الحالية لا يمتلك رؤية واضحة للخلاص الذي نبحث عنه ولا يقدر عواقب الذهاب إلى المجهول وفي المجازفة الخطيرة التي تحصل إذا ما غيرنا طريقة التداول على الحكم والسلطة وإذا ما غيرنا القواعد الديمقراطية للمطالبة بالحقوق المشروعة بالاحتكام إلى الشارع وتأجيج الجماهير الغاضبة في سياق ديمقراطي غير استبدادي.