لا يعرف أحد إلى أين سائرة البلاد، لنلخص وضعا بلا ملامح، دولة ولا أقول حكومة بلا أفق ولا هدف إلا البقاء في المناصب ووضع الرأس في الرمال، كما النعامة فيما الأزمة تزداد حدة، إلى درجة أنها لم تعد أزمة بل باتت انفجارا للصلاحيات. بلاد غير محكومة كما كانت الدولة قبل انتصاب الحماية في 1881 بلاد فقدت البوصلة فيها مؤسسات على الورق، ولكنها مؤسسات مشتتة مشلولة دون إرادة، رئاسة للجمهورية تغرد وحدها ولا تفعل شيئا وليست قادرة على فعل شيء، لا فقط بسبب ضمور الصلاحيات ولكن بسبب قدرة الرئيس على التصور والمبادرة والفعل، غير اجترار الشعارات، رئاسة برلمان بدت في غير قدرة فعلية على الفعل أو الاستشراف أو القرار، ورئاسة حكومة وحكومة همها الوحيد البقاء في المناصب بلا هدف حقيقي أو قدرة على مواجهة الاعصار، ومجتمع وسيط لا حول له ولا قوة متروك لنفسه تتقاذفه أمواج متلاطمة أفقدته قدرة التأثير. الأزمة أكبر مما يتصور الفرد التونسي، الذي أصابه اليأس أمام دولة غير متماسكة أمام تطورات جعلته غير آمن لا على حياته ولا أملاكه، دولة لم تعد لها قدرة حتى الإقناع على أن ما تفعله هو السير على الطريق الصحيح، دولة متلعثمة، متهتهة ، كل عناصرها غير قادرة على تقديم خطاب مقنع ولا مهيكل أو قادر على شد الانتباه سواء مرتجلا أو معدا مكتوبا. دولة قائمة على اغلبيات مرقعة غير متماسكة لا يشدها إلا خوفها من السقوط وعدم العودة إلى برلمان، فاقد للقدرة على الفعل بحكم انعدام وجود ما يشد بعضه بعضا والهلع ، من سقوط مدو لو جرت انتخابات قبل أوانها، ستذهب بريح أعداد من النواب أهم همهم البقاء رغم الارادة الشعبية حفاظا على مرتبات غالبهم لم يكونوا يحلمون بها، وامتيازات جمة، لعل في مقدمتها إفلات من العقاب بفعل حصانة لا يحد منه لا قانون ولا تقاليد برلمانية لا في تونس ولا في غيرها. ولعل أكبر فشل ظاهر هو العجز عن مجابهة جائحة " الكورونا" ، وبالمقارنة فإن تونس تجاوزت 6 آلاف وفاة ل 12 مليون ساكن بينما لم تبلغ الجزائر سوى 2000 بعدد من السكان ب44 مليون ساكن والمغرب 6 آلاف بعدد من السكان 36 مليون ساكن ومصر 9 آلاف بمائة مليون ساكن ، وقد بدأت المغرب ومصر في التلقيح فيما الجزائر على أهبة البدء إن لم تكن بدأت بعد وتنتظر تونس ولا شيء يدل على قرب البدء إلا تصريحات غامضة، وهذا يدل على فشل سياسات الحكومات المتعاقبة فيما كانت تونس الأولى في اعتماد التلاقيح المختلفة في كل منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وهذا ما يدل على استهتار غير مسبوق… والخوف كل الخوف لدى الطبقة الحاكمة، رغم الفشل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا والآن صحيا على مدى العشر سنوات الأخيرة، بحكم تركز السلطة في يد النهضة إما مباشرة أو بالمشاركة والخوف من أي دعوة لانتخابات سابقة لأوانها، يمكن أن تقلب كل الموازين الحالية ، ويمكن أن تعيد إلى الواجهة، والحكم أولئك الذين ثار عليهم الشعب سنتي 2010/2011 أو وكلاؤه، وتدل عمليات سبر الآراء المتعاقبة على الصعود المضطرد للحزب الدستوري الحر، وريث الحزب الحر الدستوري التونسي وتجمع الرئيس الأسبق بن علي وهو ما يخيف لا فقط الطبقة الحاكمة حالية الموسومة بالفشل، ولكن كل الذين ناضلوا من أجل إقامة نظام ديمقراطي في البلاد كان الأمل منه أن يحقق لا فقط عدالة اجتماعية لا فقط بين الأفراد، ولكن أيضا بين الجهات ولكن تنمية برقمين مثلما حصل في بلدان أخرى ثارت على حكامها القدامى ، ولكن الذي حصل في السنوات العشر الأخيرة ، هو تراجع نسبة النمو ب30 في المائة ، وانخرام كل الموازنات وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، واستشراء حالة البطالة وتفاقم حالة الفساد والإفساد التي تعاظمت وتطور عدد المستفيدين منها. وللأسف الشديد، فإن كل الدلائل "تبشر" بأن حزب عبير موسي يتصدر اليوم استطلاعات الرأي ب 41 في المائة من الأصوات، أي نفس النسبة التي حصلت عليها النهضة في انتخابات سنة 2011 ومكنتها من الحصول على 89 مقعدا من 217 في المجلس التأسيسي، ما مكنها من تشكيل حكومة مع ما لم يكن يتوقعه أحد أي مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، بزعامة منصف المرزوقي الذي ورث موقع رئيس الجمهورية والتكتل بزعامة مصطفى بن جعفر الذي ورث موقع رئيس المجلس التأسيسي بلا سلطة حقيقية لأي منهما، وبالتالي تجمعت خيوط القرار في يد حزب حركة النهضة الذي استمر يحكم منذ ذلك الوقت بصورة أو بأخرى. غير أن المخيف في الأمر أن حزب عبير موسي ، يسجل تقدما بمعدل نقطتين إضافيتين من كل عملية سبر آراء جديدة ليس فقط الاستطلاعات التونسية بل حتى تلك الخارجية، المتسربة من جهات أجنبية تحت إشراف السفارات وهو يتقدم على حساب النهضة، وحتى على حساب تابع النهضة من وراء ستار إئتلاف الكرامة، وإذا استمر الحال فإنه وهو غير المستعجل من أمره يمكن أن يصل إلى الأغلبية المطلقة، ويمكن أن يجد الأحزاب الأخرى مصطفة أمام باب ، لتنال نصيبا لا من الحكم ولكن من المناصب التي تكالبت وما زالت تتكالب عليها، كما فعل من موقع الضعف سنة 2011 كل من منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر. ليس ذلك هو المأمول للبلاد ولكن ما هو العمل والمتأسلمون يبدون وكأنهم من موقع تشبثهم بالحكم منذ نالوه سواء بأغلبية نسبية أو تحت شعار التوافق. هنا للمرء أن يتساءل إذا حم القضاء ، وباتت البلاد تحت حكم من كانوا مع بن علي، وقد بات أمرا واردا إن لم يكن عاجلا .. فبعد أربع سنوات، هل سيعود الاستبداد أم يكون الحكام الجدد على استعداد لتغيير الأسلوب؟ وهل يصبح ما قاله لي يوما منصور معلى في حديث صحفي خاص لجريدة الصباح، بمناسبة إعداد المخطط الجديد أيامها من عام 1982، وقد أصابه اليأس من الحزب الدستوري الذي كان يحتل فيه منصب الأمين العام المساعد: "إن الحزب الإشتراكي الدستوري لن ينصلح أمره ، إذا لم يخرج من الحكم ، ويعود إليه، وقد استبدل حلته بحلة أخرى قوامها الديمقراطية داخله وخارجه"، وقد ارتآى وقتها منصور معلى حذف هذه الجملة من الحديث، بصفحتين من صفحات الحجم الكبير في الجريدة استمرارا في منصبه ، "لاستكمال إعداد المخطط وقتها"، وقد تم الاستغناء عنه من الحكومة ومن الحزب الحاكم للمرة الثالثة في حياته، بين العشريات الثلاث التي دخل فيها الحكومة.