قدّم مبادرة لحلّ الأزمة السياسية في تونس، في خمس مناسبات... لكنه لم يسمع ردّ فعل رسمي على ما قدّم... أخذ مشرط التشريح مبكّرا... وعرف الدّاء بعد التشخيص... لكن أفكاره بقيت قيد الاعلام والاعلان... دون أن يأخذ بها قبولا أو رفضا أهل الحل والعقد... وزير أسبق للمالية... رجل المال والأعمال السيد منصور معلّى، مازال مشغولا بتونس... وبالتربية والتشغيل والمبادرة الحرّة. بالنسبة له... تكمن المعضلة في النظام التربوي... باصلاحه، تنحلّ كل القضايا العالقة، في التشغيل وفي التنمية. تونس اليوم بالنسبة للوزير الأسبق للتخطيط والمالية، علاجها يكمن في قرار اتّخاذ 3 سنوات من التنظيم الوقتي بلا استحقاق انتخابي، حتى لا يكون الصّراع محموما بين الفرقاء السياسيين للوصول الى الحكم... حين تطلب منه أن يضع نفسه مكان الرئاسات الثلاث، يفتي ويدلي بدلوه... دون حسابات...
المشهد الاقتصادي في تونس اليوم، ومنه المشهد السياسي، كيف يراهما السيد منصور معلّى وكيف يقيّم العلاقة بينهما وبين ما هو منشود لبلادنا؟
على المستوى السياسي، أعتقد أن المشهد لا يشجّع... والبلاد في خطر... والتجاذبات لافتة في هذا الشأن. هناك خوف مصحوب بامتناع عن العمل هنا (احتجاجات) وتردّد في الاستثمار هناك... والبنوك من جهتها تعاني لأن أصحاب الودائع يسحبون ودائعهم... البنك المركزي من جهته ضخّ حوالي خمسة مليارات لفائدة البنوك، حتى لا تغرق أو تتقهقر فتفلس. صحيح أن هذه الوضعية الاخيرة التي تهمّ قطاع البنوك، ليست وضعية خاصة بتونس... بل تشمل عددا لا بأس به من بلدان العالم، بما فيها الولاياتالمتحدةالامريكية. بالنسبة الى بلادنا، اقترحت حلاّ ولكنه يخيف.
أوّلا المشهد البنكي في تونس يحتوي على أمثلة فيها الخاص والعمومي... أقدّم مثالا لافتا في هذا المجال، هناك بنك ساهمت في انشائه، يعمل الآن كالتالي: له من الودائع ما يصل الى 5 مليارات (دينار) ورأسماله عبر المساهمين لا يفوق ال 170 مليون دينار... أي أقل من 4٪ من حجم الودائع... يحصل رغم هذا أن أصحاب الاربعة بالمائة هم الذين يحكمون هذا البنك وهؤلاء (المساهمون ب 4٪) هم الذين يكوّنون مجلس الادارة... ويحدث أيضا أن تتكوّن علاقة مماهاة، بين الطرفين، بعد أن يعيّن مجلس الادارة للبنك، رئيس المجلس... وهذه العلاقة هي التي تجعل ادارة البنك لا ترفض القروض التي يطلبها المساهمون، ويصل الأمر عادة الى حصولهم على قروض بسعر فائدة متدني جدا... بحيث يتمكّن البعض من هؤلاء الى استرجاع رأسماله وفق الفائدة المنخفضة، أضعافا وأضعافا...
ألا تدخل هذه العمليات في خانة الفساد؟
لا أبدا، وإنما تسمّى تنظيما غير محكم... الغريب أن مثل هؤلاء (المساهمين ب 4٪) أصبحوا يتخيّلون أنهم هم أصحاب الودائع التي تشكّل بقيّة النسبة (96٪).
إذن هناك سوء حوكمة في العمل والنشاط البنكي؟
يمكن التقديم أن هناك سوء حوكمة، وقد اقترحت حلا يتمثل في العودة الى المبدإ، أي أن تعود حوكمة البنوك الى أصحاب الودائع... حتى لا يحتار صاحب الوديعة ويخاف على أمواله فعنصر الطمأنينة... أو العامل المطمئن يجب أن يتوفّر... الفرق بين الشركات والبنوك، هو أن صاحب الأسهم هو الذي يتصرّف... لكن لا يجب ان يتصرّف في ودائع الناس... ربّما تكون الاجابة عن مثل هذه الحيرة، بالقول إن هذا يحصل في كل العالم... ففي الولاياتالمتحدةالامريكية رأينا كيف أن الدولة لم تستطع مزيد انقاذ البنوك...
وماذا عن القطاع البنكي العمومي؟
حدّث ولا حرج... والحقيقة، ما يقع الآن من تداعيات، وما نلمسه من مشاكل وأزمة، يقيم الدليل على أن هناك عدّة واجهات بالبلاد يجب اصلاحها...
مثلا؟
مثلا القطاع التربوي... لابد من اصلاح التعليم... فهو الداء العضال باعتقادي والذي سبّب لنا مشكلة التشغيل والبطالة... لماذا؟ لأن الأمر استفحل وخاصة سنوات حكم بن علي... تعدّ الجامعة التونسية اليوم، بين 350 و400 ألف طالب، ويتخرّج سنويا 60 ألفا منهم بشهائد عليا... ولابد من توفير 800 ألف موطن شغل... 60٪ من هذا الرقم الأخير هم شباب متخرّج من الجامعات وله شهائد عليا. إذن نلاحظ أن البطالة انقلب وضعها ونمطها... وهذا مفهوم ومعلوم... ذلك أنه وفي السابق، كانت نسبة العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد هم النزر القليل والبقية بطالة بلا شهائد... الآن العكس هو الذي يحصل... وهذا راجع الى أننا لم نعد النظر لا في التعليم ولا في سياسة التشغيل ولا في ملاءمة الجامعة مع محيط العمل... ذلك أنه عندنا جامعات بيروقراطية... البرامج هي نفسها... والجامعة ليس لها أدنى نوع من الحرية...وأقصد حرية...التصرف في البرامج... كما أن الطالب ليس له حرية اختيار الجامعة التي ينتسب إليها، إلا بنسبة قليلة... من المفروض اليوم أن الجامعة التونسية يكون لها حرية الإبداع... حرية البرامج وحرية الإختيار...وهذا جائز بالنسبة للجامعة وبالنسبة للطالب...ما يحدث اليوم، هو أن الطالب يبقى في منزله إثر التخرج إلى أن تشغله الدولة... إيجابية المدرسة الأساسية كتجربة هي أنها تقطع مع منظومة سابقة تجعل البطالة تبدأ من السنة السادسة ابتدائي... وهو الأمر الذي يجعل العديد من المنقطعين عن الدراسة مبكرا، يعودون إلى رحاب الأميّة... بينما نظام المدرسة الأساسية يوفر 9 سنوات من التعلم، ويجعل الانقطاع عن التعليم إن حصل يكون في سن 17 سنة على الأقل... وهنا لا بد من التأكيد على أن جعل التعليم والاقتصاد متضادين، يعد أمرا سلبيا وسببا من أسباب الأزمة بالبلاد. فالتعليم لا يكون نظريا فقط...يجب أن ينخرط في المجال الاقتصادي، حتى إذا ما تخرج الشابة أو الشاب، يجد نفسه مؤهلا لكي يستنبط ويبادر...ليدخل مجال العمل...
في المشهد السياسي، لاحظنا أن وجود الترويكا في السلطة، أنتجت تكتلات أخرى ترنو إلى السلطة نداء تونس والجبهة الشعبية فكيف تقيّم الأمر؟
كنت دائما مع علاج المشهد السياسي ...لماذا؟ لأن أمامنا حزبا قويا وله 20 ٪ من الأصوات الناخبة. والبقية يعملون بضعف في الترويكا مثلا... المشهد السياسي الحالي في حاجة إلى إصلاح...المهم بالنسبة لي ضمان التداول على السلطة... حتى لا يعمّ الفراغ والفوضى... وهذا يتطلب حكاما ومعارضة واثقة من نفسها...فمثلا يعد تكوين «نداء تونس» و«الجبهة الشعبية» أمرا مهما على اعتبار أن الجبهة تمثل اليسار والنداء يمثل الوسط...فهذا من شأنه أن يثري المشهد...ويوازنه...ولكن على هذه التجمعات والجبهات أن تعرف كيف تتحد وتتقارب...حتى تشهد الساحة السياسية حراكا وتوازنا وتقدما...لأن المشهد السياسي التونسي يحتمل ثلاثة أو أربعة تجمعات... هناك «المسار» و«الجمهوري» و«الشعبية» و«النداء» و«النهضة»...هناك اليمين واليسار والوسط ويمين الوسط ويسار الوسط... وهذا ماهو مطلوب اليوم...
تشهد البلاد عددا من المبادرات ذات الطابع السياسي الغالب أحيانا، وذات الطابع الاقتصادي العلاجي أحيانا أخرى، لكن ما يعاب على كل هذه المبادرات أنها لا تدعو إلى إصلاح جذري...لمعالجة الوضع الاقتصادي خاصة؟
نحن في تونس عشنا عشرين شهرا من الثورة...إلى الآن مازالت الاحتجاجات متواصلة... لقد مررنا بأربع حكومات وقتية وهنا أتساءل كيف يمكن أن تعمل وتشتغل حكومة هي في عداد الوقتي؟ حكومة وقتية، همها الوحيد هو الإستعداد إلى الانتخابات...ليس لها الوقت للإلتفات إلى مشاغل البلاد...من تنمية جهوية وتربية...إقتراحي في هذا المجال يرتكز على أمر مهم : يكفي من التحاذبات بين «الوقتي» و«الانتقالي» ...نطبق ما قامت به دول أخرى... ولنلتفت إلى التجارب الماضية والقريبة في التاريخ...ألم يدخل ديغول وما أدراك معه الشيوعيين في حكومة وحدة وطنية؟
الآن أقل تجاذب يمكن أن يؤثر على مصير البلاد...لقد اقترحت في مبادرتي التي قدمتها خمس مرات، اقترحت تكوين حكومة وحدة وطنية..هناك من يسألني كيف يمكن اقتراح حكومة وطنية تجمع بين النهضة وأقصى اليسار أقول هذا ممكن إلى أن تهدأ البلاد... ما تمرّ به البلاد اليوم لا يمكن لحكومة حزب واحد أو ثلاثة أن تجد لها الحلول... فكل طرف من الأطراف السياسية يريد أن يرضي ناخبيه ومريديه...وهذا الأمر هو الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه يوم 14 سبتمبر اقترحت ثلاث سنوات تكون خالية من أي استحقاقات ليكن الأمر في شكل تضحية ...من أجل مسار ومصير البلاد...ثم بعد هذه الفترة (3 سنوات) كل طرف يراجع برامجه وسياساته وشأنه الداخلي فالمتطرف يتراجع عن تطرفه الديني واليساري يعدل من برامجه... حتى نعود إلى وضع طبيعي...
هل جاءك اتصال من الحكومة حول مبادرتك؟
صم...بكم...أبدا...لم يتصل أحد...ولم يرد الفعل أحد...فهذا يتناقض مع رغباتهم الحزبية...قرأت عبر وسائل الاعلام عن مفاوضات (سرية)...ولكن هذا لا يغني ولا يسمن من جوع...البلاد تقاسي من معضلات إذا لم تكن جهوية فهي سياسوية. فمثلا هناك حل عاجل الآن ولافت وله نتائج إيجابية إن حدث ويتمثل في أن يعلن كبار القادة السياسيين في مختلف التيارات عن عدم ترشحهم للمدة الانتقالية...فقد تهدأ البلاد... الدستور بحاجة إلى أن ينجز في هدوء وليس في ظل تجاذبات...وهذه المدة أقترحها. كما قلت آنفا بثلاث سنوات...
يعاب على سي منصور معلى أنه الشخصية السياسية والخبير في الشؤون المالية الذي يحاول أن يدلي بدلوه في ما يخص الوضع الاقتصادي، بمشرط ووسائل تشخيص ومعالجة قديمة، قد تكون صالحة لعصر أفل وولى، إسمه الثنائية القطبية من أين أمكن لبعض مناويل التنمية أن تفلت من بينهما؟
(يضحك)...من الناحية الفلسفية لم يثبت إلا النظام الرأسمالي...لأنه نظام قابل للتعديل..«روزفلت» قام بتعديل النظام الرأسمالي...والأنظمة الأخرى، إما تنهار أو تفشل..روسيا معقل الاشتراكية، يحكمها الآن «أزلام» النظام السابق...ولكن بمقود الرأسمالية النظام الرأسمالي له الكثير من العيوب...اليوم في نظام النقابات والتغطية الاجتماعية،تتجه قدما نحو تعديل النظام الرأسمالي كقوى ضاغطة... من جهة أخرى مازالت المؤسسة الاقتصادية تتطلب التعديل..مازلنا رهن عقلية السيد والعبد في المؤسسة الاقتصادية...لابد من تغيير العقلية وتشجيع المستثمر لكي يستطيع تشغيل غيره..ويجب تشريك كل العاملين في المؤسسة إذا نجحت وإذا فشلت... في جميع الحالات.
«سي مصنور» معلى ، لوكنت رئيسا للجمهورية اليوم، مكان المرزوقي ماذا تفعل؟ كيف تتصرف؟
أولا ليست لي رغبة في ذلك...ولكن على سبيل الافتراض أعطي أولوية الأولويات إلى النظام التربوي والتشغيل وأجند كل القوى من أجل إنجاح الحالة. ففي فنلندا مثلا أين يعيش 5 ملايين نسمة فقط، فيها الثلوج والغابات وعرفت إستعمارا روسيا إلى سنة 1917 وصل فيها اليوم الدخل الفردي إلى مضاهاة ما هو موجود في أمريكا وأوروبا...لأن فنلندا أعطت الأولوية للنظام التربوي...ونحن نصرف أموالا طائلة بلا نتائج.
لو كنت رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي عوض بن جعفر؟
وظيفيّا أحاول بناء التوافق بين مختلف القوى السياسية..ولا أؤزّم الأمور...ولا أعمق الخلافات..
لو كنت رئيسا للحكومة مكان الجبالي؟
لا أحسده على موقعه ..أشعر أنه ليس حرا في تصرفاته...