تحدثت في حلقة الامس عن حرب اللحوم والتي بدأت تنطلق في تونس.. وهي حرب خفية يبدو أن رحاها تدور هذه الايام.. بين بعض الاطراف.. من أجل تحديد سعر معقول لأسعار اللحوم.. لعله لم يخدم مصالح البعض. ولقد قلت ضمن ما قلت أن هذه الحرب قد بلغت اللحمة الحيّة.. وأقصد لحمة المواطن طبعا.. والذي بدأ يلقى نفسه مجبرا على تحمل تبعات ونتائج هذه الحرب وذلك بتحمله لوحده مشكل ارتفاع أسعار اللحوم في بلده.. ولقد ذكّرت.. بالجهود الكبرى التي تقوم بها شركة اللحوم العمومية في هذا الخصوص.. وهي جهود قد بدأت تعطي أكلها لكنها قد بدأت كذلك تصطدم بواقع صعب ومرّ.. يتمثل في محاولة بعض الاطراف منعها من مواصلة عملها.. أو حتى تعطيلها عن ذلك.. خاصة في ظل تمسّك القائمين عليها بإقرار تسعيرات شعبية للحوم.. لعلها لا تخدم مصالح هذه الاطراف باعتبار تأثيرها على هامش ارباحهم. أما لماذا أثرت هذه المسألة بالذات.. وفي هذا الظرف بالذات.. فإليكم الحكاية من بدايتها: رغم أنني قد كنت من المتابعين.. في فترة سابقة.. لبعض ما حققته شركة اللحوم من خدمات ومن تدخلات ناجعة.. تجسمت خاصة في تلك الحملة الناجحة والتي نفذتها بمناسبة عيد الاضحى الفارط.. بدعوة وبحرص من السيد محمد رضا مصباح وزير التجارة وقتها.. والذي تمكن بفضل هذه الحملة في تلك الاثناء من خلق توازن هام في أسعار الاضاحي.. مما ساعد وقتها على القضاء ولعله قد حصل لأول مرّة في تاريخنا على كل أشكال الاستغلال والاستكراش والذي كنا نعيشه عادة في مصل تلك المناسبات. قلت برغم متابعتي بعض أطوار تلك الحملة.. بحكم تطوّعي وقتها لتغطية بعض مراحلها.. فلقد ظللت هذه الايام مثل سائر خلق الله.. متسائلا عن سرّ الارتفاع المشط الذي يشهده سعر اللحوم في ربوعنا كما أنني قد توقفت مثل غيري على ما سجلته هذه الاسعار من تراجع في بعض الفترات لتعود الى عهدها في فترات اخرى. والحقيقة أنني قد كنت أنوي الاتصال بمصالح وزارة التجارة من أجل فهم حقيقة ما يحصل.. بل انني قد حاولت ذلك.. وطلبت مواعيد مع بعض المسؤولين وتم تسجيل أرقام هواتفي من أجل الاتصال بي.. «وهاني نستنى» (بدون تعليق). المهم.. أنني قد كنت منذ أيام على موعد عفوي.. وغير محدد مع بعض الاشخاص ممن تولوا زيارتي بمكتبي وأعلموني بأنهم يمثلون اطارات وعملة شركة اللحوم.. وأكدوا لي أنهم قد فضلوا الاتصال بي قصد مساعدتهم على تبليغ أصواتهم للهياكل الرسمية. هؤلاء.. قد جاؤوا اليّ.. من أجل أن أقول باسمهم ونيابة عنهم لهذه الهياكل: دعونا نعيش ولا تحرمونا من حقنا في العمل وبعد أن أمدني الجماعة ببسطة عن دور مؤسستهم وهي شركة اللحوم وبعد أن أكدوا لي أنهم يتعايشون داخلها تعايش أفراد العائلة الواحدة والتي يسعى الفرد منها.. للعمل على تحقيق غاية المجموعة ويضحي من أجل ذلك.. وبعد أن قدموا لي بسطة عن برنامج عملهم الذي شرعوا في انجازه هذه الايام والهادف الى خلق توازن في أسعار اللحوم في تونس.. بحكم اعتماده على فتح نقاط بيع بكامل مناطق البلاد تحترم المواصفات اللازمة وتمكن الناس من شراء اللحم وفق أسعار معقولة ومدروسة.. وبعد أن أكدوا لي شعورهم بالفرحة وبالغبطة وهم ينجحون في تحقيق هذا البرنامج.. بحكم ما يكنونه من محبة ومن تعلق بمؤسستهم والتي تولوا حمايتها أيام الثورة من كل مكروه.. حتى أنها لم تتعرض لأي اعتداء من طرف أي كان. وبعد أن أبلغوني بأن إدارتهم العامة.. قد أذنت بانتداب مجموعة جديدة من العملة.. مركزة في ذلك على أبناء المنطقة.. وأنها قد سخرت كل طاقاتها من أجل إنجاح الشركة وتطويرها. بعد كل ذلك.. قد قال لي هؤلاء.. بأن مجموعات.. قد بدأت هذه الايام.. تعمد.. الى محاولة.. تعطيل مؤسستهم على المضي في تنفيذ برامجها وأن هذه المجموعات تطالب المؤسسة بضرورة التقيّد بسعر معين للحوم حتى لا تحرمها من هامش الربح الذي تحققه. أما عن موقف وزارة التجارة من ذلك.. فلعله لم يتوضح بعد.. اذ برغم مصادقتها على البرنامج الذي تعهدت شركة اللحوم بإنجازه فإنها لم تتخذ والى غاية الساعة من الاجراءات ما يمكنها من النجاح في تنفيذه.. خاصة وهو يخدم المصلحة العامة.. ماذا يعني هذا.. وهل أصبحت المؤسسة العمومية.. التي يهدف تواجدها الى خلق موازنات في الاسعار تخدم مصلحة البلاد والعباد.. تمثل عبئا على بعضنا. هل نحن مطالبون بالتخلص من هذه المؤسسات.. أو من ضربها.. ومن منعها من أداء واجبها الاجتماعي حتى تخلو الاجواء لغيرها من المؤسسات الخاصة العاملة في نفس القطاع لكي تفعل ما تريد بالناس. الحقيقة أن المسألة في حاجة لتدخل ناجع من الوزارة.. ليس لأنها تعني شركة اللحوم فقط بل لأنها تثير بداخلنا تساؤلا هاما حول دور القطاع العام ومؤسساته في فترة ما بعد الثورة وهو دور قد لا يمكننا تهميشه أو تجاهله. لأن هذا قد يعني تسييب الماء على البطيخ وهذا ما لم ننتظره من ثورتنا.