فازت حركة النهضة بثقة التونسيين، ساعدها في ذلك ما طرح من إشكاليات المساس بالمقدس في فيلم "لائكية، إن شاء الله" لنادية الفاني الذي أثار الكثير من الجدل، والفيلم الإيراني الذي بثته نسمة فتحرك الشارع التونسي من جنوبه إلى شماله غيرة على تصوير الذات الإلهية... عرفت حركة النهضة كيف تستثمر إشكالية المساس بالمقدس وإن تعمدت أن تدين بعض ردود الفعل المتهورة لتظهر في صورة الإسلامي المعتدل تأسيا بنجاح النموذج التركي، ولهذا التف حولها التونسيون ونسبة كبيرة منهم لم تطلع على البرنامج الانتخابي للنهضة... ولكن شعاراتها الإسلامية بسيطة ومؤثرة، وهذا ما دفع مثلا طالبا متحررا يتشفى في النوري بوزيد على خلفية التهديد بالقتل الذي تعرض له من خلال أغنية رددها أحد فناني "الراب" في اجتماع لحركة النهضة... نرى تونس بعد الإعلان غير الرسمي عن فوز النهضة في انتخابات المجلس التأسيس وقد غطت رأسها استعدادا لاستقبال الحكم النهضوي... نرى التونسيات وقد تحررن في ارتداء الحجاب والنقاب، وبعضهن فعل ذلك ثأرا من النظام النوفمبري الذي كان حادا في موقفه الرافض للحجاب، وممنوع الأمس صار مرغوبا فيه بشدة اليوم... الحجاب ليس قضية أصلا وهو يدخل ضمن الحريات الشخصية ولكن أن تتعامل المحجبة مع غير المحجبة (لا أحب عبارة السافرة) بتعال، وتوجه نحوها نظرات الحقد بعد فوز النهضة في الانتخابات فهذا أمر غير مقبول ويعبر عن عقلية مريضة... لن نبدأ دكتاتورية جديدة تتحكم فيها السياط نفسها مع اختلاف الأسماء... في أيام قليلة تغيرت تونس للنقيض... وصار الاعتراف بعدم الانتماء للنهضة كفرا... بل إن هناك من يروج لفكرة أن من لم ينتخب النهضة فهو غير مسلم... نعم وصلنا إلى هذا الحد من السذاجة في التفكير وأمامنا الكثير من الأسئلة العالقة التي ستجيب عنها الأيام... وحتى يتحقق ذلك سنفترش الحقد الاجتماعي الذي تغلغل في الجسد التونسي ونخره بشدة...