خبيرة في الاعلام: «لا بأس أن تتحرى وسائل الاعلام في ما تبثه في هذه الفترة الدقيقة» أدى عرض الفيلم الإيراني على قناة «نسمة» يوم الجمعة الماضي إلى عديد المواقف تحولت عند مجموعة إسلامية إلى دعوة ل«حرق القناة وإغلاقها والى تهديد مديرها والصحفيين العاملين بها» برزت تجلياتها خاصة على صفحات المواقع الاجتماعية، وعاب عدد آخر على القناة بث هذا الشريط في فترة تتسم بالخصوصية واعتبروا أن هناك «نية مبطنة من القناة في اختيارها للتوقيت فليس من مصلحة احد إثارة البلبلة أو إحداث جدل «ديني» في الوقت الذي تسعى فيه جميع القوى السياسية والاجتماعية الى إنجاح موعد الاستحقاق الانتخابي.. والمرور إلى ما بعد يوم 23 أكتوبر».. كما رأى آخرون أن اختيار التوقيت أومنع بث الشريط «يدخل تحت طائلة تقييد الحريات الشخصية والإبداع الفني وحرية الإعلام»... سندس قربوج الحقوقية والأستاذة في علم النفس رأت أن ردة الفعل التي سجلت يوم أول أمس الأحد أمام «قناة نسمة» كان من شريحة معينة و«لا يمكن تصنيفه كردة فعل جماعية تلقائية بل هو إيحاء في ظرفية زمنية معينة لحساب أجندات سياسية معينة وما يمكن تسميته بالفعل الجماعي عمل لجان الأحياء بعد الثورة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب بطريقة تلقائية سعى كل التونسيين الى حماية ممتلكاتهم وعائلاتهم»... وأضافت قربوج أن ما حصل «لا يعد سابقة فنفس ردة الفعل كانت مع فيلم المخرجة نادية الفاني كما أن فيلم «برسو بوليس «الايراني» في أكثر من مناسبة تم بثه وكان محور نقاش مع عديد الحساسيات السياسية والفكرية ورغم ذلك لم يحدث ردود فعل مماثلة» وهنا تشير عالمة النفس أن: «الأغلبية الساحقة التي عارضت بث الفيلم شاهت مشهدا وحيدا وهو تجسيم الذات الالاهية مفصول تماما على سياق الفيلم رغم انه ان حللنا المشهد من وجهة علم النفس فالطفل في مرحلة معينة من تطوره الذهني يحتاج الى شخصنة الأشياء المجردة فمثلا الشجاعة يجسمها في شخصية زورو والحب في شخصية زهرة، والفيلم الإيراني قدم عملية شخصنة بين الطفلة والشكل الذي ترتئيه.. وان تم فصل المشهد عن سياقه يفقد معناه ويصير شبيه بالرسوم الدنماركية»... وتتساءل قربوج في السياق «متى يمكن الاعتراض على عمل فني؟ ولحقته بالإجابة أنه عندما يدعو إلى العنف والتطرف أو يحمل رسائل عنصرية أوثلب... وفي حالة الرفض هناك طريقة وحيدة للاحتجاج وهي رفع قضية قضائية ضد الفيلم أوالجهة التي قامت ببثه.» وتعتبر قربوج أن التونسي قد «مر بفترة تجهيل ثقافي طيلة 23 سنة الماضية غاب فيها وجود قنوات ثقافية جادة وأمام غياب السلطة القمعية بعد الثورة أصبح البعض يجسم انفعالاته عن طريق التماثل مع المعتدي (عنف النظام السابق) في محاولة قمع للآخر». عن مسألة التوقيت أوضحت أنه «ان دخلنا تحت طائلة التوقيت فسيصبح بث أي عمل إعلامي مرتبط بمسألة التوقيت المناسب من عدمه.»
علم الاجتماع
أما بالنسبة لسالم الأبيض أستاذ في عالم الاجتماع فقال أن ما قامت به «نسمة» ببثها للفيلم الإيراني «لا يخلو من خلفية اديولوجية تهدف الى التأثيرعلى مسار الانتخابات هذا في أقل الأحوال ان لم يكن الغاءها» واعتبر ان الفيلم احتوى «تعدي على مقدسات عامة لفئة سنية تمثل أغلبية لا يقبلون بتشخيص الذات الإلاهية»، ويرى أن القائمين على «نسمة» لم يعرضوا الفيلم من موقع الجهل بتداعياته فبعد الاستبيان الذي قامت به «نسمة» وقدمت خلاله حزب النهضة بنسبة أغلبية في الحضور، بثت الفيلم « كطريقة للترهيب الناخبين من نموذج المجتمع الإسلامي أو لبث الفتنة كون القائمين على نسمة يدركون أيضا أن الفئة السلفية غير منتظمة سياسيا وهي لا تلتزم بما هو متعارف عليه كنوع من العقد الاجتماعي الذي يلزم الأحزاب السياسية الأخرى.» ويضيف الأبيض أن ردة الفعل كان يمكن أن تكون أخف لو بث الفيلم في قاعة سينما ولكن ببثه على فضائية فان نسبة المشاهدة أكبر تجعل ردة الفعل مسألة مرتقبة. وفي نفس السياق يشير أستاذ علم الاجتماع أن مؤسسات الدولة «في حالة ترهل وضعف وغياب نسبي وهذا ما يعسر عليها الدور المطلوب منها خاصة في ظرف فيه نوع تفجر الحريات ولا يمكن لها أن تمارس فيه نفس الطرق الاستبدادية القديمة ولذلك حاولت أن تمسك العصا من الوسط متأثرة بالنزاعات اللائكية المتنامية التي تحاول ابعاد الدولة عن الشأن الديني وهو ما يحد من رقابتها على المجموعات الدينية (وسط المساجد والفضاءات العامة) وعن سلوكياتها التي قد لا تكون مرتقبة.»
اول تجربة اعلامية...
رأت بدورها سلوى الشرفي إعلامية وأكاديمية أنه «صحيح أن البلدان التي لها تقاليد دينية تبحث وسائل الاعلام في المضامين التي تبثها، وما يقع اليوم في تونس هو أول تجربة ولم يتم العمل بهذا الاجراء والتثبت من المضامين.» ولكن تضيف أنه «بقطع النظر على المضمون المغضوب عليه فلا بأس أن تتحرى وسائل الاعلام على ما تقوم ببثه في هذه الفترة الدقيقة حتى لا تعطي الفرصة للذين يترصدون من أجل افشال تجربة الانتقال الديمقراطي خاصة أن الوضع العام لا يتحمل مثل هذه التشنجات.» وبالحديث عن حرية الاعلام تقول الشرفي «أن المناداة بحرية الاعلام أو الحريات الفردية لا يعني أن الحرية مطلقة كما أن الديمقراطية لا تعني التوفيق أو المعادلة بين الحرية والفوضى.» وبالنسبة لردة الفعل فذكرت الاعلامية سلوى الشرفي أنه «اذا أردنا العيش في اطار ديمقراطي فيجب أن نفهم أن كل تعبير بما فيه التنديد يجب أن يكون سلمي والاطار الديمقراطي يعطينا مساحة كبرى من حرية التحرك تنطلق من بلاغ التنديد الى اضراب الجوع والمظاهرات السلمية وبمرورنا من اطار التحرك السلمي الى العنف فهذا يعني أننا خرجنا من الاطار الديمقراطي والحركة المعنية يجب أن تدان وتدخل في صفة الخارجة على القانون». وهنا تشير الشرفي أن ما وقع يدفع الى» فتح حوار حول طريقة التحرك السياسي في الأطر الديمقراطية بعيدا عن العنف.»
من الناحية القانونية
وفي اطار القانون يقول مصطفى بلطيف أستاذ القانون أن «الثورة والقانون يضمنان حرية التفكير والمؤلفات والأعمال الفنية بصفة عامة بما فيها الأعمال السينمائية» ويرى أن مسألة الفيلم الايراني الذي بث على «نسمة» لا تطرح بشكل قانوني وكون تونس دينها الاسلام حسب الفصل الأول من الدستور فذلك لا يمنع بث أي عمل فني ناقد للاسلام أو تطبيقاته و»نعلم جميعا أن على مر التاريخ تم نقد المؤسسة الدينية وحسب اعتقادي فالتعرض للمسألة يكون من جانب سياسي لا من ناحية قانونية.»
تنقلت «الصباح» الى الشارع التونسي لرصد موقفه من عرض الفيلم الايراني وأول ما يمكن ملاحظته أن الأغلبية الساحقة بنت موقفها بالتنديد بالعنف أوبقناة «نسمة» دون أن تشاهد الفيلم واقتصرت على السماع أو مشاهدة الجزء الذي تتناقله صفحات «الفايس بوك». فكان موقف أماني بن حسين ورامي بن حميدة ريما الدريدي وتقوى البلطي (طلبة حقوق) رافض للعنف الذي سلط على قناة نسمة من قبل «الجماعة الاسلامية» غير أنه في نفس الوقت معارض لبث فيلم قد يمس من قداسة الالاه أو يقدم تجسيم له. أما عبد المؤمن زمني وشكري الجيوشي وحاتم بن رابح فاعتبروا أن المصلحة العامة فوق حرية الاعلام والفترة الحالية لا تحتمل بروز لعنصر قد يثير البلبلة. وذهب توفيق ناجح الى أبعد من ذلك ليقول أن الدين والالاه والاسلام والرسول «خطوط حمراء ممنوع المس بها أو تناولها، وبث الفيلم الايراني يدخل تحت طائلة الفتنة.»