«لم تستغرق عودة رئيس الوزراء العراقي الى طبعه وقتا طويلا. ففي اليوم الذي غادر فيه اخر الجنود الاميركيين البلاد، انقلب على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي واتهمه بما كان هو نفسه مشبوهاً به منذ مدة طويلة – اي اصدار اوامر بتنفيذ تفجيرات واغتيالات ضد خصومه السياسيين. ولم يكن السيد الهاشمي مجرد مسلم سني بارز في حكومة يسيطر عليها الشيعة. فقد كان مسمار المحور في الصفقة السياسية التي رتبتها الولاياتالمتحدة السنة الماضية والتي وافق بموجبها ائتلاف «العراقية» الذي فاز باكبر عدد من الاصوات في الانتخابات الماضية على المشاركة في الحكومة. وقد فر السيد الهاشمي الى الامان النسبي في كردستان قبل ان يندد بالاتهامات على اساس انها انقلاب، ولكنه ينضم الى قائمة متنامية من المنفيين في الداخل – وجميعهم من السنة. فعدا عن السيد الهاشمي، أمِر نائب رئيس الوزراء صالح المطلڤ بعدم الذهاب الى البرلمان مرة اخرى. وتركت مجالس الصحوة، المكونة من مقاتلين سنة تحولوا ضد «القاعدة» في وضع حرج. ويبدو العراق مهيئاً للعودة الى المستنقع الطائفي. ما كان بإمكان اي احد سوى رئيس للولايات المتحدة في عجلة من امره ومصمم على اغلاق الباب على العراق ان يرى ان ذلك على وشك ان يحدث. وقد اعتقل على الاقل 30 شخصا على صلة بزعيم العراقية اياد علاوي في الاسابيع الاخيرة من جانب قوات الامن التي تخضع لسيطرة المالكي شخصيا. وكانت حملة الاعتقالات موجهة ظاهريا ضد اعضاء سابقين في حزب البعث واثارتها استخبارات من ليبيا انه يجري التخطيط لانقلاب. ولكن هذه المعلومات اصبحت عذرا مناسبا للتحرك ضد الزعامة السنية. وكان السيد علاوي، وهو شيعي علماني العقلية اقنع كثيرين من السنة ان بوسعه ان يحمي مصالحهم، معارضا بصورة غريزية للصفقة التي عقدت في السنة الماضية مع المالكي ولكن جرى الضغط عليه للموافقة عليها نتيجة هرب شخصيات مفتاحية من حزبه. وكان له يوم امس كل الحق في ان يقول لحزبه: لقد قلت لكم ذلك. وكان محقا ايضا في اتهامه للمالكي بأنه ديكتاتور في طور الكينونة وبأنه يدفع بلاده الى حافة حرب طائفية اخرى. وليست هذه الحرب مرجحة الوقوع في اي مكان اكثر مما هي مرجحة في محافظة الانبار، موقع اسوأ فظائع الحرب – الفلوجة، الرمادي، وسجن ابو غريب. وكان ادخال «العراقية» الى المعترك السياسي امرا مفتاحيا بالنسبة الى الاستقرار الهش الذي سمح لاميركا بالانسحاب، ولكن للاسباب ذاتها فإن استبعادها الان لا يبشر بخير بالنسبة الى المستقبل. وتنتمي فكرة ان السنة قد يستعيدون قدرا من قوتهم المفقودة عن طريق تحالف علاوي الى التاريخ. والوزارة التي اوجدت له لا تؤدي اي وظيفة. وقد تخلى السيد علاوي عن اي تظاهر بوجود ائتلاف. والى جانب الاعتقالات وعمليات الاغتيال فإن المزاج في المناطق السنية اصبح قاتما. وفي الاسبوع الماضي اصبحت محافظة ديالى الاخيرة التي تعلن الحكم الذاتي. واخذ العراق ينقسم على نفسه مرة اخرى وقد لا يكون بلدا واحدا مرة ثانية».