رأيت الرئيس الافغاني حامد كرزاي وهو يبكي ويمسح دموعه التي كانت تنزل مدرارا.. وفي لحظة ما تخيلت كرزاي في صورة الطفل البريء والملاك الذي نزل لتوّه من السماء.. يا الله.. ما أحلاها وما أبهاها من صورة.. ولكن ماهي إلا لحظات كالبرق حتى قمت بقطع شريط الخيال وتخلّيت عن هذه الصورة رغم جمالها لأنها صورة خيالية مائة بالمائة ولا صلة لها بالواقع فالرجل سياسي ويشتغل بالسياسة ويتلقى الوحي من أمريكا فما أبعده عن الاطفال والملائكة.. أما لماذا بكى كرزاي وهو يخطب في اليوم العالمي لمكافحة الامية فلقد بكى عندما جاء ذكر السلام في افغانستان.. لقد دعا كل الافغانيين بمن فيهم طالبان الى السلام وقال: إنني لا أريد أن يصبح ابني أجنبيا.. أريده أن يكون أفغانيا.. وكان في كلام الرجل بعض العواطف.. ولكنه نسي أو تناسى أمرا هاما وهو ان أفغانستان لن تكون افغانية الا إذا تحررت من الاحتلال الامريكي.. وإلا إذا غادر الجيش الامريكي الارض الافغانية.. وإلا وعندما تصبح الارادة الافغانية حرة مستقلة.. ليت كرزاي بكى على ضحايا الجرائم الامريكية وعلى الافغان الذين يحوّل الامريكان رؤوسهم وجماجمهم الى ادوات للعب.. وتحف.. وهدايا.. وليته قالها صريحة وواضحة للأمريكان: أخرجوا من بلادنا واتركوا الشأن الافغاني للأفغان ولا تتدخلوا في قضايانا.. وشؤوننا الداخلية.. لو قال ذلك وبكى لكان لدموعه معنى.. ولأصبح لبكائه رسالة.. أما وقد بكى وهو لا يقول غير الكلام الذي يجامل الأمريكان.. ولا يحرجهم.. ولا يرون مانعا من قوله.. فإن هذا البكاء لا يمكن أن يكون إلا من قبيل (لزوم ما لا يلزم) ومن صنف الطلقات الفارغة الموجهة نحو الفضاء الواسع.. إن ما يتعرض له الشعب الافغاني لا يرضي أي مخلوق في الارض.. وخصوصا اذا كان هذا المخلوق من أبناء البلد مثل كرزاي وليس أجنبيا ويتمنى أن يكون ابنه مثله فلا يتنكر لوطنه.. ولا يحمل جنسية غير الجنسية الافغانية.. إن الأجنبي لا يمكن ان يكون بأي حال من الاحوال أكثر رأفة وحنانا ورحمة وعطفا على الوطن من أبناء الوطن.. ولذلك فإن الشعب الافغاني = وطالبان جزء منه = ليس هو المشكل.. وإنما المشكل الحقيقي هو الاحتلال الامريكي.. هو الغزو الأمريكي لأرض ليست تابعة للولايات المتحدةالامريكية.. هو العدوان الأمريكي والجرائم الامريكية والظلم الأمريكي.. وهذا الطرح هو الذي لم يفهمه للأسف الشديد كرزاي وكل كرزايات افغانستان ولذلك فإن بكاءه ماهو في نهاية التحليل إلا بكاء الانسان الذي اكتشف بعد وقوع الفاس في الراس أنه مخدوع.. وأنهم حولوه الى «كرزاي»!