معرض فرانكفورت هو أعظم وأفخم وأضخم معارض الكتاب في العالم.. وعمره أكثر من خمسة قرون.. وفي كل عام يفتح أبوابه أشعر وكأن الربيع هو الذي فتح أبوابه.. وفي هذا المعرض الذي فيه للعرب نصيب واحترام وتقدير يجتمع ملايين الزوار وتباع فيه ملايين النسخ.. والمعرض فرصة حقيقية لكل الناشرين في العالم.. وليس مجرد مناسبة عابرة او صغيرة او بلا معنى.. إنها سوق بالفعل و«بيزنيس» ومكاسب.. ومغانم.. وأرباح.. وصفقات.. وقد صمد هذا المعرض في وجه كل ما يقال عن كساد الكتاب وحتى موته بسبب الأنترنات وفي كل دورة من دوراته يكذب هذا الادعاء.. أمّا في دورته الجديدة الحالية التي تبدأ هذا الأسبوع فإنه سوف لا يكتفي بالتكذيب فقط.. بل سيقيم الدليل وبالحجة والبرهان أن الكتاب مازال تلك السلعة الجميلة الخضراء اليانعة المرغوب فيها من طرف الناس ومن محبي الكتاب الذين يزدادون عاما بعد عام.. ملايين النسخ من الكتب بيعت في الخمس دورات الأخيرة من المعرض.. وآلاف العناوين حظيت بالاقبال الواسع الكبير.. وعناوين أخرى كثيرة نفدت منذ اليوم الأول من أيام المعرض.. وكان الكتاب في كل يد من أيدي ملايين الزوار الذين زاروا هذا المعرض ولم يكتفوا بالنزهة.. وتمضية الوقت.. والفرجة السلبية.. وتمنيت أن أكون واحدا من هؤلاء الزوار في كل عام.. إنها أمنية سنوية تتجدد مع كل دورة من دورات هذا المعرض العريق.. وتمنيت لو كنت هناك لأسأل الألمان الذين يشترون الكتب: أليست لديكم أنترنات في بيوتكم؟.. وطالما أن هذه «الأنترنات» موجودة في بيوتكم فلماذا إذن تقتنون الكتب؟.. ومن أين تأتون بالوقت لقراءة الكتب؟ ثم أليس ثمن الكتاب أصبح لا يطاق؟ تمنّيت أن أسأل الألمان هذه الأسئلة بالذات لأنها تمثل هنا في تونس عقدة العقد.. فالتونسي لا يقرأ بدعوى أن لديه «أنترنات».. ولا يتعامل مع الكتاب بدعوى أن لا وقت لديه فهو مشغول طوال الوقت.. ولا يشتري الكتاب بدعوى أن ثمنه مرتفع.. وبالمقارنة يتبيّن لنا أن الألماني مازال لم يدخل بعد في قلب العصر مثل التونسي ثم أن لديه الكثير من أوقات الفراغ بينما التونسي ليس لديه ولا دقيقة واحدة ولذلك فالألماني «المسكين» مازال يقرأ.. ومازال يشتري الكتب.. بينما التونسي «الطيّارة» تجاوز ذلك بمراحل.. فأصبح لا يقرأ.. ولا يتعامل مع الكتب.. ونسي أنها موجودة أصلا.. ومعنى ذلك بكل بساطة أن الألماني «دغفة» وليس «طيّارة» ونائم في العسل بين أوراق الكتب.. والصحف!!! بالفعل هو «مسكين» يستحق ان نشفق عليه..