يدور هذه الأيام ببلادنا حوار ساخن بخصوص المجلس الأعلى للقضاء، وينتظر عدد من القضاء توقيع رئيس الحكومة على أوامر التسميات المقترحة في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وذلك لاختلاف القضاة حول تركيبة الهيئة المقترحة. وهذا أمر يخص القضاة أنفسهم ولا يمكننا التدخل في شأنهم. لكن تخوفنا يزداد مع الوقت لأن نجاح الفاعلين فيما بينهم ووجود مجال بعث هذه المؤسسة الدستورية العلوية الحيادية من شأنه أن يضع السلطة الديمقراطية وهي ركيزة أساسية للبناء الديمقراطي على قاعدة صلبة وفي عدم ايجاد حل توافقي بين قضاة يعمق خشيتنا من بقاء هذه المؤسسة في حالة متأرجحة تزيد في عمق المأساة. فنحن الباحثين عن تقدم مؤسستنا الدستورية لتلعب دورها بكل حياد وعدل وموضوعية. لكن خوفنا أيضا ان تتحول هذه المؤسسة العدلية وهي سلطة مستقلة داخل الدولة الشرعية الى سلطة، هي الأخرى، داخل السلطة تحكم بأحكامها وتأمر بأمرها يرهبها الجميع وتخشاها كل الأطراف التي تجد نفسها أمامها فنتحول الى بلد يحكمه القضاء ولا أحد غيره. وعلى كل فالأمل أن تنتهي هذه الحكاية في أقرب وقت ممكن بتوافق الجميع حتى نهتم بأمور أخرى نحتاج لها مثل احتياجنا للعدل وهو اساس العمران. وفي هذا المجال تحضرني حكاية بطلها "تشرشل" لما تولى الوزارة الأولى للمرة الثانية خلال الحرب العالمية الأخيرة لما كانت لندن ضحية الطائرات النازية. فقد اجتمع "تشرشل" في المخبأ السفلي بالوزارة الاولى في أول مرة وطلب من الوزراء أن يقدموا أنفسهم ويعرضوا المشاكل التي يواجهونها. ففعل الوزراء ما طلب منهم إلا واحدا لم يتكلم. فسأله "تشرشل" عن هويته فقال أنه وزير العدل، فسأله "تشرشل" عن المشاكل التي تعترضه فأجاب بأنه لا مشاكل له والعدل قائم في بريطانيا. فالتفت "تشرشل" للجميع قائلا: " إنّ البلاد التي يقوم فيها العدل دون مشاكل هي بلاد لا يُمكن أن تُهزم" .