الترجي الرياضي التونسي ينهزم في افتتاح مشواره بكأس العالم للأندية أمام فلامينغو البرازيلي (فيديو)    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية لفريق فلامينغو في مواجهة الترجي    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    أخبار الحكومة    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    طقس الليلة    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    النادي الصفاقسي - الإتفاق على مواصلة الهيئة التسييرية المنتهية مدة نيابتها العمل خلال الفترة القادمة وإطلاق حملة "صوت الجمهور" للمساهمة في الخروج من الوضع المادي الدقيق    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاضية وسيلة الكعبي ل«التونسية»: تركيز المجلس الأعلى للقضاء هو انتصار شخصي في معركة طويلة
نشر في التونسية يوم 16 - 02 - 2015


حوافز مالية للتشجيع على العمل بالمحاكم الداخلية
مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء يتضمّن بعض النقائص
القاضيات:نضال... كفاءة وقدرة... وغياب عن الوظائف السامية!؟
الفضائل الشخصية قاصرة عن بناء قضاء مستقلّ
حاورتها: خولة الزتايقي
وسيلة الكعبي قاضية من الرتبة الثالثة، ورئيسة دائرة بمحكمة الاستئناف بتونس والناطقة الرسمية باسم الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، كانت عضوة في المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين المنبثق عن المؤتمر العاشر والذي انعقد في ديسمبر 2004، وتعرضت دائرة وسيلة الكعبي الى نقلة تعسفية إلى قابس لمدة 6 سنوات، اين كلفت بمهمة قاضي تحقيق، وتعرضت حينها الى مضايقات، وقدمت قضية الى المحكمة الادارية في توقيف تنفيذ قرار النقلة التعسفية تم رفضها ولم يتم الغاء القرار إلّا بعد الثورة.
وسيلة الكعبي أكدت في حوار جمعها ب«التونسية» على أهمية العمل على تركيز المجلس الاعلى للقضاء والاسراع في وضع ترسانة القوانين التي تجسد فعليا استقلالية القضاء، حتى يتم بذلك بناء مؤسسات دولة القانون أساس الجمهورية الديمقراطية.
ما هي الصعوبات التي واجهت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي اثناء تأديتها لمهامها؟
قبل الحديث عن الصعوبات التي اعترضت الهيئة، يتجه التذكير إلى ان اقرارها «كمؤسسة دستورية» بمقتضى القانون المنظم للسلط العمومية واحداثها فعليا بمقتضى القانون الاساسي عدد 13 لسنة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 مثّل منعرجا في تاريخ القضاء التونسي ولبنة اولى في التوجه نحو بناء سلطة قضائية مستقلة كإستحقاق من استحقاقات ثورة 14 جانفي 2011.والصعوبات التي اعترضت الهيئة برزت في عدة مراحل: المرحلة الاولى تعلقت بالاعتراف لها بالاستقلالية المالية والادارية قانونا دون تفعيل بعض مقومات هذه الاستقلالية، وهي المقر والموارد المالية التي تمكنها من اداء وظائفها على احسن وجه، وقد بقيت هذه الحالة لمدة اشهر، هذا العائق تم تجاوزه بتمكينها من مقر داخل المجلس الدستوري سابقا، وخصصت لها اعتمادات مالية من ميزانية رئاسة الجمهورية. المرحلة الثانية تعلقت بالتعدي على صلاحياتها من طرف وزير العدل الأسبق نذير بن عمو مما ادى الى تعطيل اعمالها والى الاحتكام الى القضاء الاداري لفض خلاف مفتعل، ظاهره قانوني، ولكنه مثل محاولة لمواصلة هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء عبر تسميات مباشرة منها. ومهما يكن من امر، فإن المعركة التي خاضتها الهيئة من اجل الدفاع عن صلاحياتها المطلقة في الترشيح للوظائف القضائية السامية المنصوص عليها بقانون 1967/7/14، توجت بإقرار دستور 27 جانفي 2014 في الفصل 106 على «انه يسمى القضاة السامون بأمر من رئيس الحكومة بناء على ترشيح حصري من المجلس الاعلى للقضاء». المرحلة الثالثة، تعلقت بصعوبات مبناها كيفية التعاطي مع ارث ثقيل من ممارسات كرستها المجالس القضائية السابقة، ارتهن جراءها القضاء لارادة سلطة سياسية مستبدة متحكمة في كامل مفاصل الدولة ، وفتح الباب لإشاعة الخوف لدى القضاة من نقلة تعسفية او تجميد ترقية وهيمنة «عقلية الرضا بالامر الواقع» وإيثار البحث في كثير من الحالات عن «الحلول الشخصية» في غياب التشبع بثقافة الدفاع عن استقلال القضاء والثبات على ذلك وتحمل تبعاته. الصعوبة كانت تكمن في كيفية تعاطي الهيئة مع هذه «العقلية» ومحاولة تغييرها، وكان لزاما عليها ان تضع آليات تمكن القضاة من الاطمئنان على مسيرتهم المهنية نقلة وترقية وتمتعا بالخطط الوظيفية، بناء على معايير موضوعية تكون مسبقة الوضع ويتساوى امامها الجميع، فلا مجال للمحاباة والمجاملات، بل الكفاءة والنزاهة والاقدمية هي عناصر المفاضلة الوحيدة التي يتعين التقيد بها: فالنقلة والترقية والتمتع بالخطط هي حق من حقوق القضاة، ولكنها تخضع لضوابط معينة تحكمها الموضوعية والشفافية، ولكن تطبيق المعايير المشار اليها تثير صعوبات اخرى لغياب منظومة موضوعية لتقييم القضاة، ثم كيف يمكن إحداث توازن بين مقتضيات مصلحة العمل الناجمة عن احداث محاكم جديدة داخل الجمهورية (كما كان الامر بالنسبة الى محكمتي الاستئناف بسيدي بوزيد والقصرين) وما تتطلبه هذه المصلحة من نقلة قضاة اليها، رغم عدم وجود راغبين في ذلك، ولعل التفكير جديا في منح حوافز مالية لتشجيع القضاة على العمل بمحاكم داخلية سيساعد على حل معضلة العزوف عن العمل بها او تقلد بعض الخطط فيها (كالتحقيق مثلا).
كيف تبررون تعدد الحركات القضائية في سنة واحدة، وهو ما يعتبر خلافا واستثناء للعادة التي دأب عليها القضاة (حركة قضائية وحيدة سنويا)؟
فعلا انجزت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي حركتين اصليتين، واضطرت للقيام بحركتين جزئيتين للنظر في مطالب الاعتراضات لمن تظلم من الحركة الاصلية، طبقا لما يقتضيه الفصل 15 من قانون الهيئة، وبطبيعة الحال، فإن الاستجابة لبعض مطالب الاعتراض تنتج عنها شغورات يتعين تسديدها، علاوة على الشغورات المستحدثة بسبب الاحالة على التقاعد او الالحاق ببعض المؤسسات كالهيئات الفرعية للانتخابات والمحكمة العسكرية وبعض الوزارات ...، وإن المطلع على الوضع القضائي يعرف انه جرى العمل سابقا على اجراء حركة قضائية واحدة في السنة، ولكن سد الشغورات كان يتم بواسطة مذكرات عمل، يتخذها وزير العدل خارج اطار الشفافية، وهو ما كان يمثل خرقا للمبادئ الاساسية لاستقلال القضاء.
في الوضع الحالي لعمل الهيئة، ثم سد الشغورات في نطاق احترام الشفافية، والتي تقتضي اعلام السادة القضاة بوجودها، ومدهم بآجال لتقديم طلباتهم، ثم البت فيها على ضوء المعايير المعلنة، والهيئة حرصت وتحرص على مصلحة القضاة، وتعمل على ان يكون لهم الحق في حياة عائلية عادية.
اعلنتم في وقت سابق انكم بصدد القيام بجولة حول المحاكم في محاولة لتحديد الشغورات داخلها، وذلك في اطار الاعداد للحركة القضائية القادمة، أ ليس في ذلك استيلاء على مهام المجلس الاعلى للقضاء؟
تولت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي منذ توليها مهامها الاستماع الى المسؤولين الاوَل عن المحاكم لمعرفة حاجياتهم، وتقديم مقترحاتهم حول الشغورات، وكيفية تسديدها. وفي اطار خلق تقاليد جديدة تمكن أعضاء الهيئة من الاطلاع على الوضع الحقيقي للمحاكم، والتي كثيرا ما نتلقى تقارير حول ما تعانيه من مشاكل ونقائص على جميع المستويات، قررت الهيئة بجلسة عامة التحول الى جميع دوائر محاكم الاستئناف بكامل تراب الجمهورية لإدخال اكثر نجاعة على قراراتها، وتساهم في تحسين أداءها، وهو قرار ، وإن رأى البعض فيه «تسلطا» على صلاحيات المجلس الاعلى للقضاء المرتقب، إلا أن واجب احترام الاجال المنصوص عليها بالفصل 148 من الدستور لا يعني ان نبقى مكتوفي الايدي، بل علينا ان نواصل أعمالنا الى حين تركيز المجلس الاعلى للقضاء، والاعداد للحركة القضائية يندرج في اطار تسهيل عمل المجلس، وهو مخير في اعتماد تلك الاعمال التحضيرية او غض الطرف عنها، بمعنى ان هذه الاعمال ليست لها طابعا الزاميا، مع التذكير ان الحركة القضائية هي عملية معقدة وتستدعي كثيرا من الجهد والوقت، بدءا بتحديد الشغورات الى الاعلان عن المعايير، وتقبّل المطالب وتبويبها الى البت فيها مع ما يمكن ان يحصل من اختلافات في وجهات النظر بين اعضاء المجلس وكيفية فضها توافقا او تصويتا.
المرفق القضائي يعاني من الويلات، نقص في الموارد الاساسية والبشرية، وهو ما ساهم في زيادة الضغوطات على القضاة، اين الهيئة من كل هذا، ام ان عملها مقتصر على انجاز الحركة القضائية فقط؟
دور الهيئة الوقتية للقضاء العدلي مضبوط بالقانون المحدث لها، وهي البت في المسار المهني للقضاة وابداء رأي استشاري في مشاريع القوانين المتعلقة بسير العمل القضائي واصلاح منظومة القضاء العدلي، ولها ان تقدم من تلقاء نفسها الاقتراحات والتوصيات في كل ما من شأنه تطوير العمل القضائي، وجوابا على سؤالكم فإن الهيئة على بينة بمشاكل مرفق العدالة: معاناة يومية يعيشها السادة القضاة بسبب كثرة الملفات، وافتقاد الكثير منهم للضرورات الاساسية للعمل، والتأخير في رقن الاحكام مما يعطل مصالح المتقاضين، والحالة متردية لبعض بنايات المحاكم، وهو وضع ليس جديدا، ويستدعي التدخل السريع لإيجاد الحلول المناسبة، كما يجب إيجاد تصور لإدارة العدالة التي هي الان بيد وزير العدل.
اما بخصوص الموارد البشرية واساسها القضاة، فإن فتح المناظرة وتحديد عدد المنتدبين بالمعهد الاعلى للقضاء خارج عن انظار الهيئة ، التي حاولت في نطاق صلاحياتها توزيع الملحقين القضائيين عند تسميتهم حسب حاجات المحاكم. كما لم يقتصر دورها على انجاز الحركة القضائية، بل أنها قدمت مقترحاتها للمجلس الوطني التأسيسي في خصوص «باب السلطة القضائية» وقدمت رأيا في مشروع القانون عدد 44 لسنة 2014 المؤرخ في 21 افريل 2014 المتعلق بإستحداث دوائر متخصصة في «قضايا شهداء وجرحى الثورة»، وهي تدير الان حوارات مع ممثلي القضاة حول مشروع القانون الاساسي للقضاة ومع الاطراف المذكورة والهيئة الوطنية للمحامين حول مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء، كما انها مشاركة في صياغة مشروع قانون المحكمة الدستورية.
ما هي الضمانات الاساسية التي يجب ان تتوفر في المجلس الاعلى للقضاء المرتقب؟
إن التعرض الى المجلس الاعلى للقضاء يحيلنا مباشرة الى طرح مسألة جوهرية وهي استقلال القضاء الذي دفع ضريبة الدفاع عنه عدد من القضاة. واستقلال القضاء يتجلى على مستويين، اولهما مؤسساتي وثانيهما وظيفي في علاقة جدلية. فالفضائل الشخصية لأي قاض كالحياد والنزاهة على اهميتها قاصرة وحدها عن بناء قضاء مستقل، بل يتعين ان يقترن ذلك بوجود هيكل يتمتع بالاستقلال الاداري والمالي، وهو ما أقره الدستور في الفصل 113، وان تكون تركيبته متماشية مع ما تقتضيه المعايير الدولية، وهي ان يكون اغلب اعضائه من المنتخبين (الفصل 112)، وان تكون له صلاحيات واسعة، وتتوفر فيه بالتالي جميع الضمانات التي تجعله بمنأى عن تدخل السلطة التنفيذية.
قدمت مؤخرا وزارة العدل مشروع قانون اساسي متعلق بالمجلس الاعلى للقضاء، هذا المشروع اثار سخط العديد من الهياكل التابعة للمنظومة القضائية؟
طرحت وزارة العدل مشروع قانون المجلس الاعلى للقضاء، اعدته لجنة فنية من ضمن اعضائها عضوان من الهيئة، وكذلك من دائرة المحاسبات والمحكمة الادارية، وقد عرض للنقاش العام وابداء الرأي في يوم «اعلامي»، وهي صيغة من صيغ التشريك الممكنة وهو يمثل ورقة عمل قابلة للتعديل والتقويم بما يتماشى مع المقترحات والتوصيات المقدمة والتي أكد اعضاء اللجنة تفاعلهم معها، وتعميق النقاش ضروري وليس من شأنه ان يؤخر تركيز المجلس، المهم هو ان نصل الى صياغة مشروع يضمن توافق اكثر عدد ممكن من المعنيين به ويسهل تمريره بمجلس نواب الشعب.
اما قراءة المشروع، فيتجلى من خلالها مجهود كبير قام به اعضاء اللجنة وحرص على تضمين ضمانات كبيرة يوفرها المجلس، إلا انه ورغم ذلك يحتوي بعض النقائص: اولا لم ينظم بصفة واضحة كل واحد من المجالس القضائية. ثانيا، لم يحسم في اختصاص الاعفاء من غير القضاة، واكتفى بالصيغة الواردة بالدستور، والحال أنه من الضروري تحديد شروط اخرى للعضوية كالاقدمية مثلا في ذلك الاختصاص. ثالثا، ولئن أقر الفصل 114 من الدستور على ان المجلس الاعلى للقضاء يضمن سير القضاء، إلا ان المشروع اقصى ادارة العدالة من مجالات اختصاصه، واقتصر على انها من صلاحيات الجلسة العامة التي طبقا للفصل 39 تبدي رأيا في مقترحات ومشاريع القوانين التي تهم خاصة تنظيم العدالة وادارة القضاء واختصاصات المحاكم.. رابعا، انا اتساءل الا يتعارض تلقي الترشحات من غير القضاة من المستقلين من طرف اللجنة المنصوص عليها صلب الفصل 21 مع ما تستدعيه التجارب المقارنة من وجوب تقديم الترشحات الى مجالس نواب الشعب الذين يتولون انتخابهم بأغلبية معززة؟... خامسا، المشروع تضمن صلاحيات واسعة لرئيس المجلس الاعلى للقضاء في المادة التأديبية من شأنها ان يحصل منها خلط بين سلطة التتبع والتأديب، والحال ان التوجه المطلوب هو الفصل بينهما كضمانة أساسية للقاضي. سادسا، المشروع في بنوده المتعلقة بالميزانية، ولئن عهد للجنة الشؤون المالية إعداد ميزانية المجلس، وهو امر جيد، إلا انه يتعين تحديد الجهة التي تقدم هذا المشروع ولعله من المفيد توضيح ان اللجنة تعد مشروع الميزانية وتعرضه للمصادقة من طرف المجلس في تركيبة معينة ، ثم يقدم الى وزارة المالية التي تحيله الى لجنة المالية بالمجلس النيابي، اين يتولى رئيس المجلس الاعلى مناقشته، وهو ما يفترض ايضا تخصيص باب خاص للمجلس الاعلى في ميزانية الدولة.
النص الدستوري وحتى مشروع القانون المقدّم، قدم تركيبة المجلس الاعلى للقضاء، مؤكدا على اهمية مراعاة تركيبة هذه الهياكل لتمثيلية المرأة، دون ان يتم التنصيص على كيفية هذه المراعاة، خاصة وان الانتخابات تقع على الافراد وليس على القائمات؟
من المهم ان ينص المشروع على تمثيلية المرأة في تركيبة المجلس الاعلى للقضاء، خاصة ونحن نشهد تصاعدا مطردا للقاضيات اللّاتي ابرز العديد منهن كفاءة صناعية وقدرة مميزة على التسيير، ولذا فإنه من الضروري ان تتناسب تمثيليتها على الاقل مع وزنها في القطاع.
المرأة التونسية، ورغم دورها الريادي في تحقيق العدالة والدفع نحو استقلالية السلطة القضائية، إلا انها مقصاة على مر السنين على مستوى المناصب القضائية السامية او ما يعبّر عنهم بمناصب السبعة الكبار؟
فعلا لعبت المرأة في القضاء دورا كبيرا من اجل الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، فلنتذكر ان ابرز المدافعين عن استقلال القضاء منذ سنة 2005، كنّ قاضيات علَت اصواتهن ضد جبروت السلطة الاستبدادية، يوم كانت تعز الكلمة الحرة، وان مشاركتهن كانت ظاهرة للعيان ايام الاحتجاجات امام المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بدستور يكون ضامنا لاستقلال القضاء، ولكن موقعهن المتقدم في قيادة النضالات لا يتناغم مع غيابهن التام عن تقلد الوظائف القضائية السامية، وللأسف، لم تتوفق الهيئة حتى الان الى المبادرة بوضع حد لهذه الممارسة، رغم ورود ترشحات جدية لقاضيات جديرات بهذه الوظائف.
ما هي انتظاراتكم من الحكومة الجديدةة، وخاصة وزير العدل الجديد؟
الدستور التونسي وضع مبادئ عامة تتعلق بالتفريق بين السلط، ونظم العلاقة بينها، والتزام كل سلطة بها سيكون دافعا لإرساء علاقة مبناها التعاون والاحترام، وعلاقتنا بالحكومة يحددها مدى التزامها بإحترام استقلال القضاء وتوفير متطلباته. أما في خصوص وزير العدل الجديد، فهو شخصية لامعة في مجال اختصاصه، وله دراية وإلمام بالوضع القضائي ومشاكله، وله إسهامات ومقترحات حول إصلاح المنظومة القضائية، بررت الصدى الطيب الذي لاقته تسميته، وقد ابرز من خلال جلسة عمل عقدها مع الهيئة على استعداده للتعاون من اجل الاسراع بتركيز المجلس الاعلى للقضاء، والقيام بالاصلاحات التي تتطلبها المرحلة. ونحن نأمل ان تجد مواقفه المعلنة في الدفاع عن استقلال القضاء طريقها الى الانجاز وهو من يشرف على وزارة العدل.
هل بإرساء المجلس الاعلى للقضاء، استقلال للسلطة القضائية؟
ارساء المجلس الاعلى للقضاء خطوة كبيرة على طريق تجسيد استقلال السلطة القضائية، ولكن الامر ما يزال يتطلب تنقيح عدد من القوانين واساسها القانون الاساسي للقضاة، واعادة النظر في امر اسناد الخطط الوظيفية المؤرخة في 1973، ووضع مدونة سلوك. واستقلال القضاء هو مسار طويل يتطلب ايضا وجود قضاة يؤمنون بإستقلاله، ويدافعون عنه، كما يتطلب ارادة سياسية حقيقية في عدم الهيمنة عليه وتوظيفه.
كلمة الختام
إن النجاح في تركيز المجلس الاعلى للقضاء، بكل الضمانات للقضاة والقضاء، هو انتصار شخصيّ لي في معركة طويلة خضتها مند سنين بكل ما اوتيت من صدق وايمان بدور القضاء في بناء دولة ديمقراطية، ولعله يهوّن عليّ بعض من متاعب وآلام تحملتها وزوجي وابنائي ووالدتي في سنوات الجمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.