تذكرت ما جاء في الأمثال الشعبية قولهم (اللي ما تعرفش تندب علاش يموت رجلها) ونحن في هذه الأيام التي أصبح يطلع علينا فيها في وسائل الإعلام عدد من المستشارين والمشيرين من أصحاب الشأن وهم يتفننون في الكلام ويفتون بدون علم أو عرفان، ويقارن بعضهم بين مجلة الأحوال الشخصية التي صدرت في زمن باي ذلك الزمان بتدبير من رئيس الحكومة وقتها الزعيم الحبيب بورقيبة رحمهما الله. كان ذلك بموجب الأمر العلي المؤرخ في 6 محرم 1376 الموافق ليوم 13 أوت 1956 والمنشور بالرائد الرسمي عدد 66 الصادر في 17 أوت 1956 ولم تدخل تلك الأحكام للعمل الا بعد صدورها بعام. وكان الباي وقتها يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولم يكن له برلمان والدستور معطل ومثله عهد الأمان. كانت الحالة تشبه المرحلة الانتقالية التي مرت بها تونس بعد ثورة الحرية والكرامة إذ كانت شؤون الحكم تنظم بمراسيم يمضيها الرئيس المؤقت للجمهورية بعد عرضها على مجلس الوزراء للمصادقة عليها ولإصدارها في الجريدة الرسمية للنشر والعمل بها كقوانين وما زال البعض منها معمولا به الى الآن. لكن ذلك لم يعد ممكنا بعد المصادقة على الدستور ودخوله للعمل الملزم لنا جميعا لو أردنا أن نصبح دولة مثل الدول التي لها شأن. قال هؤلاء فيما يخص الزطلة التي استفحل أمرها في البلاد وتفنن في اختيار أنواعها الكبار والصغار وانتشرت خاصة في المعاهد والمدارس بدون حساب وبات على الحكومة استنباط طريقا يجنب من زلت به قدمه وجربها لحب الاطلاع وأدت بالبعض من هؤلاء الى السجن والتأقلم مع الاجرام. لكن القوم اختلف في ذلك الشأن واقترح بعضهم على رئيس الدولة عرض الأمر على المجلس الأعلى للأمن الوطني المحدث أخيرا لمقاومة الإرهاب، لكن ذلك لم يكن من اختصاصه مهما كان. وبالرغم من استفحال الأمر الذي بات مقلقا وهو في ازدياد كل يوم وبدون حساب، لكن الذين أشاروا بالحل لم يفكروا في مطابقة ذلك للدستور الذي لم يعد فيه لرئيس الجمهورية الحق في إصدار المراسيم، ولأننا لم نعد في حالة انتقال او استثناء وكل قانون جديد أو تنقيح فيه يجب أن يمر حتما عبر السلطة التشريعية التي وحدها خصها بذلك الدستور. وفي كل الأحوال يمكن لرئيس الجمهورية إن أراد التقدم بمبادرة لمجلس نواب الشعب عن طريق الحكومة لتنقيح القانون الذي أصبح يهدد المجتمع وذلك لتغييره أو تكييفه بما تستوجب الأوضاع التي لم نكن نعرفها بالشكل الذي باتت عليه الان.