تحصلت تونس طوال هذه السنوات الست العجاف ،التي عم فيها الإنفلات ، على قروض عديدة فاقت قدرة البلاد على تحملها ، وتم توظيفها في مجالات غير منتجة كصرف الأجور والتعويضات وغيرها وهو ما أدى إلى ارتفاع كارثي لنسبة التداين سيتحمل المواطن أعباءها في الحاضر والمستقبل، وفي كل مرة تضطر فيها البلاد إلى الإستنجاد بالمصارف العالمية إلا وتجد حزمة من الشروط والإملاءات ب0نتظارها، وقد ترفضها مرات ولكن مع إشتداد الأزمة تجد نفسها مضطرة للقبول بها، وإن لم يكن بجميعها فببعضها ! ومنها تلك التي لمح إليها يوسف الشاهد وبعض وزراء حكومته في العديد من حواراتهم وتصريحاتهم وإطلالاتهم الإعلامية ، كإعادة هيكلة قطاع الوظيفة العمومية بما يعنيه ذلك من تسريح وإيقاف للإنتدابات والضغط على كلفة الأجور، وإصلاح منظومة الصناديق الإجتماعية بالزيادة في نسبة الإقتطاع والترفيع في سن التقاعد ومراجعة مجلة الشغل على مستوى الترسيم والأجور والتعويضات والعلاقة الشغلية بين الأطراف المعنية بالإضافة إلى التفويت في المؤسسات العمومية الكبرى للخواص والعديد من الإجراءات الأخرى التي تصب في اتجاه تحميل المواطن كل أعباء السياسات الخاطئة التي تم إعتمادها في السنوات الست الشابقة يعرف القاصي والداني أن إملاءات وشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي " تعسفية" خاصة تجاه البلدان الصغيرة والفقيرة، وهي بمثابة " الوصاية" التي تسلب تلك البلدان جانبا هاما من سيادتها وحق تقرير مصيرها كما أن تطبيقها يتسبب ، دوما، في إحتجاجات و0نتفاضات شعبية عارمة أدت في الكثير من المرات إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة ، وهو ما جعل أغلب البلدان ترفضها أو الإكتفاء بتنفيذ البعض منها ، ولا يعتقد عاقل أن حكومة يوسف الشاهد ستقبل بتنفيذ مثل هذه الإملاءات ودفع البلاد إلى متاهات صراعات إجتماعية هي في غنى عنها، كما أن الإتحاد العام التونسي للشغل الذي ساهم مساهمة فاعلة في إنجاح عملية تشكيل حكومة وحدة وطنية لن يقبل مطلقا بالرضوخ لأي شرط من تلك الشروط ، إضافة إلى أطياف متعددة من الساحة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. كيف ستتصرف حكومة يوسف الشاهد إذن في مثل هذه الحالة التي وجدت فيها نفسها بين مطرقة إملاءات وشروط صندوق النقد الدولي وسندان الرفض النقابي والشعبي ؟ إن المعادلة المطلوبة على غاية من الصعوبة فالبلاد على حافة الإفلاس وهي بحاجة أكيدة وماسة لتدخل المصارف الدولية لكن ذلك لن يحدث إلا بوضع سياسة تقشفية صارمة وغير شعبية بالمرة ! فهل ب0ستطاعة المواطن التونسي الذي أرهقته ست سنوات من الفوضى والإنفلات أن يقبل بمزيد من التضحيات؟ الجواب رهين قدرة يوسف الشاهد وأعضاء حكومته على إقناع المواطنين ليس بالكلام والوعود والتطمينات وإنما بالفعل والمبادرات والصراحة والجرأة، فعندما يقدم يوسف الشاهد للتونسيين تفصيلا مبسطا عن مآل كل القروض التي تمتعت بها البلاد طيلة السنوات الماضية .