جاءت زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان التي أدّاها في نهاية الاسبوع الماضي بعد الاحداث الدموية التي شهدتها كنيستا طنطا والاسكندرية وذهب ضحيتها عدد كبير من الاقباط الذين استهدفهم الارهابيون اثناء تأديتهم لطقوسهم الدينية في إطار خطة لزعزعة واستقرار مصر وبثّ الفتنة بين مكوّنيها الاسلامي والمسيحي اللذين تعايشا منذ الفتح الاسلامي فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرا فظلت كنائسهم وذواتهم وممتلكاتهم في أمان في عهد من ولاة الأمور عبر تاريخ مصر المديد اللهم إلا ما يحدث بين الفينة والأخرى من تصرّفات طائشة لا تمتّ الى القيم الروحية والاخلاقية والانسانية بأية صلة. أبى البابا فرنسيس الا أن يمضي فما تعهّد به من استئناف للحوار الاسلامي المسيحي الذي انقطعت دورات انعقاده منذ سنوات على اثر ما صدر عن البابا السابق من تصريحات مسيئة للاسلام. وجاءت زيارة البابا فرنسيس استجابة لدعوة الشيخ أحمد الطيب شيخ الازهر باعتبار الازهر أكبر هيئة اسلامية علمية دينية سنية فقد شهد البابا فرنسيس جانبا من جلسات اجتماع هيئة حكماء المسلمين التي تضمّ في عضويتها عددا كبيرا من علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم ويرأسها الشيخ أحمد الطيب الذي شهد الازهر في عهده نقلة نوعية سواء كان ذلك في الجولات التي أداها شيخ الازهر الى عديد الدول الأوروبية أو الدول الاسلامية، أو في ما صدر عن الازهر من بيانات وورقات عمل ركّزت على تجلية حقيقة التعاليم الاسلامية السمحة النابذة للعنف والتعصّب والتطرف والارهاب والمكرّسة للقيم الانسانية التي تجمع بين بني آدم بمختلف أديانهم وأجناسهم وألوانهم ويأتي كل ذلك في إطار خطة تهدف الى النهوض بالخطاب الديني وتجديده مضمونا وأسلوبا وكيفية تحرّك. يمضي الشيخ أحمد الطيب الذي يرأس أكبر مؤسسة دينية وعلمية في العالم الاسلامي من حيث عدد الكليات الجامعية والمعاهد الازهرية والخريجين الذين يعدّون بالآلاف ليس في مصر بل وخارجها حيثما وجد مسلمون في كل القارات. وتواجه الازهر وشيخه وهيئة علمائه صعوبات وتوجه له انتقادات اذ تعبتره بعض الاطراف مخترقا بل ومكرّسا للتطرف وقد ورث الشيخ أحمد الطيب تركة ثقيلة ليس من السهل اصلاح ما اعتراها من أخلال، ولكن شيخ الازهر مدعوما بهيئة العلماء وأغلبية شيوخ الأزهر يمضي بخطى ثابتة ورؤية واضحة مستنيرة في درب اصلاح الخطاب الديني والنهوض به تجسيما للوسطية والاعتدال والاستنارة الفعلية والحقيقية التي تجعل الثقة فيه تتعزز شيئا فشيئا. وقد جاءت زيارة البابا فرنسيس الى مصر في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به مصر وبقية البلاد العربية تكريسا لقيم التفاهم والتعايش والتسامح والاحترام المتبادل بين اتباع الاسلام والمسيحية باعتبار ما يجمع بين الدينين من قيم روحية وأخلاقية وانسانية شهدت في السنوات الأخيرة تحريفا وانحرافا من طرف أتباع الدينين على حد السواء. لكن حنكة القيادتين الروحيتين الاسلامية ممثلة في الشيخ أحمد الطيب والمسيحية ممثلة في البابا فرنسيس وما تضمنه خطابهما في هذه الزيارة من توافق يكاد يصل درجة التطابق وما بدا في لقائهما من حميمية تجلّى في التعانق الجسدي بين أكبر قيادتين دينيتين في العالم يحمل رمزية ورسائل لاتباعهما، والرجلان لا يتكلّفان هذا الانسجام الذي يجسّم روح ولبّ الدينين الاسلامي والمسيحي وهدي النبيين العظيمين محمد وعيسى عليهما السلام اللذين كرّسا حياتهما لنشر السلام والمحبة بين الناس. إن الكلمتين المتبادلتين بين البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيب خريطة طريق للمؤمنين مسلمين ومسحيين بضرورة الاحترام المتبادل والتعاون على الخير والوقوف صفا واحدا متراصا في وجه من يستعملون الدين لترويع الآمنين وسفك دماء الابرياء واذكاء روح الكراهية والتعصّب. إن زيارة الباب فرنسيس الى مصر الازهر مصر الاسلام والمسيحية القبطية بكل ما تضمنته من لقاءات رسمية وعلمية وروحية سفّهت من راهنوا على إلغائها بعد ما عاشته مصر من أحداث أليمة في طنطا والاكسندرية كما أنها شهادة من أرفع قيادة دينية لدى المسيحيين ممثلة في البابا فرنسيس هذا الرجل العاقل والموضوعي والذي يأبى كل مرّة إلا أن ينحاز الى الحق ويرفض الخلط الذي يدفع اليه الكثيرون بين الاسلام والارهاب كما يرفض حملات التخويف من الاسلام والمسلمين (الاسلاموفوبيا) تأتي هذه الزيارة دعما وسندا وتأييدا للمجهود الكبير الذي ما انفك يبذله بإخلاص وتجرّد ومصداقية فضيلة الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر على رأس هذه المؤسسة الدينية والعلمية العريقة في مراعاة لطبيعة ودقة ما يصدر عنه وعنها من مواقف.