بقطع النظر عن الطريقة التي تمت بها الايقافات الأخيرة في صفوف بعض الذين تعلقت بهم شبهات فساد مالي وإداري من رجال الأعمال والموظفين في الديوانة وكبار بارونات التهريب المعروفين والتي رأى فيها البعض أنها إيقافات تمت دون اتباع الاجراءات القانونية المعروفة ومن دون إذن من النيابة العمومية وإنما تم الاتكاء على الفصل 50 لسنة 1978 المتعلق بفرض حالة الطوارىء لإيقاف الأشخاص الذين تم ايقافهم بتعليمات من رئيس الحكومة، فإن الذي يحسب ليوسف الشاهد هو أنه أوفى بأحد أهم أولوياته الخمس التي أعلن عنها في خطاب منحه الثقة في مجلس نواب الشعب بعد تعيينه على رأس الحكومة وهو كسب الحرب على الارهاب ومحاربة الفساد والمفسدين مع الأوليات الأخرى وهي الرفع من نسق النمو وتحسين التوازنات المالية والنظافة والبيئة.. فهل هو إعلان جدي للحرب على الفساد؟ وهل حقا قررت الدولة الشروع في تنظيف البلاد من المفسدين بعد أن اتهمها الكثير من أفراد الشعب التونسي بتخاذلها وعجزها عن التصدي لهذه الآفة التي نبهت لخطورتها العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها الصندوق النقد الدولي. ما يمكن قوله بعد هذا الإجراء الشجاع الذي اتخذه الشاهد وانتظره غالبية الشعب التونسي منذ بداية الثورة بإعلان الحرب على الفساد بعد أن توسعت دائرته واختلط الفساد المالي بالسياسة والرياضة ومجال الأعمال والتجارة الموازية والتهريب والتهرب الجبائي وتحول إلى منظومة صلبة تهدد الدولة في وجودها وقد رأينا أحد صورها في الاستعراض للقوة الذي قامت به هذه المنظومة في تغيير المسار السلمي لاعتصام منطقة الكامور والانزلاق به نحو العنف والفوضى والحرق وإتلاف الممتلكات العامة. إن المفيد فيما يحصل في تونس هذه الأيام بعد إيقاف البعض من رموز الفساد الكبار هو القول إن الثورة بهذه الاجراءات الأخيرة تستعيد أنفاسها وتسترجع بريقها الأول الذي رافقها ورافق من قام بها حينما خرج ثائرا على منظومة الفساد وطالب برحيل النظام القديم الذي ركز منظومة فساد ارهقت المجتمع وأفسدت الاخلاق والمبادئ وحولت الأفراد إلى طلاب ثروة باستعمال كل الطرق وخاصة غير المشروعة التي جعلت من الفساد ينخر كل القطاعات. إن المفيد اليوم هو أن الحكومة قد منحت الشعب فرصة تاريخية لمحاربة منظومة الفساد ووضعته في لحظة فرز مفصلية حتى نتبين من مع حرب الدولة على الفساد ومن يساند في المنظومة الفاسدة ؟.. اليوم نحن أمام عملية فرز هامة في كل القطاعات والمجالات في الصحافة والإعلام وفي القضاء والأمن في الادارة والتجارة والديوانة وفي كلمة ما قام به الشاهد هو امتحان حقيقي لمعرفة الصادق من الكاذب والمموه من النزيه وبالتالي فلا مجال للفشل أو التراجع عن هذا الطريق الصعب ولكنه طريق يحتاج إلى الخطوة الأولى حتى تبدأ المسيرة وهذا قد بدأت هذه الخطوة التي يحتاج أن نوفر لها حزاما سياسيا وشعبيا داعما لحكومة الشاهد قد يذهب إلى الآخر في حربه على الفساد والمفسدين. إن المفيد في تحرك الشاهد الأخير هو أن الكثير من الشرفاء في هذا الوطن والخيرين والصادقين من أبناء هذا الشعب قد عادت إليهم الثقة في من يحكم بعد أن فقدوا الثقة في السياسيين وفي قدرتهم على الإصلاح والتغيير وتملكهم الإحباط وفقدان الأمل في نجاح الثورة وفقدان الأمل في بناء تونس أفضل بلا فساد ولا رشاوى ولا محسوبية ولا انتهازية لقد تنفس الكثير من الناس الصعداء وشعروا بأن الأمل في التغير ما زال قائما وأن المعركة مع الفساد هي معركة قيم في المقام الأول ومعركة خير وشر ومعركة تتطلب أن نستمر فيها إلى الآخر حتى نقلل من منسوب الفساد أن لم نقض عليه نهائيا. ما يمكن قوله هو أن البلاد تعاني من مشاكل كثيرة وإحراجات تكبلها وفساد كبير ينخر في مقدراتها ويضعفها من يوم إلى اخر و يكبدها خسائر مالية تقدر بالمليارات ولكن اليوم يبدو أن الإرادة السياسية قد توفرت لتعطي الانطباع أن من يحكم يسير في الطريق الصحيحة فما كنا نقوله بعد الثورة في تقييم أداء الحكومات المتعاقبة من أن الشعب لم يطالبهم بالنتائج العاجلة وإنما طلب من من يحكم أن يبرهن أنه يسير في الطريق الصحيحة من خلال تسلحه بالإرادة السياسية الصادقة فالشعب في مثل هذه الأوضاع التي نمر بها لا يطالب بالنتائج الفورية وإنما يريد أن يرى سيرا في الاتجاه الصحيح. إن المطلوب اليوم وبعد أن اتخذ الشاهد الخطوة التي يجب أن تتخذ في محاربة آفة الفساد أن لا يتراجع ولا يستجيب للضغوطات ولمن يثنيه عن عزمه أو لمن يبعث في نفسه الخوف من صعوبة المهمة أو من يوهمه بأنه يواجه منظومة فاسدة لن تسكت أمام محاولة القضاء عليها، إن المطلوب أن يسير إلى الآخر وأن يواصل في اكمال المهمة التاريخية فالجميع معه شعب وأحزاب ومنظمات تسند في رئيس الحكومة من أجل تونس جديدة وتونس بأقل فساد ممكن.