أثار الحكم الصار عن محكمة الناحية ببنزت يوم الجمعة 2 جوان الجاري والقاضي بسجن 4 أشخاص تم ايقافهم بأحدى الحدائق العمومية بصدد الإفطار وتعمد التجاهر بالإفطار في فضاء عمومي في يوم رمضان، أثار ردود الفعل من قبل البعض الذين اعتبروا أن تكيف القاضي الذي أصدر هذا الحكم هو تكييف منافي لأحكام الدستور الجديد ويتعارض مع مقتضيات الفصل السادس منه المتعلق بحرية الضمير وحرية المعتقد وهو حق كفله الدستور للأشخاص في أن يختاروا الفكر الذي يرضونه والإيمان الذي يختارونه من دون أن يجبرهم أحد على اتباع عقيدة ما بما يعني أن حرية الضمير تضمن للأفراد في ممارسة ما يعتقدون فيه وما يؤمون به.. وبالتالي فإن القاضي الذي حكم على المفطرين في يوم رمضان في حديقة عمومية هو حكم مخالف لأحكام الدستور وفيه تدخل في ضمائر الناس وتدخل في حريتهم الشخصية وهو ضرب لحرية المعتقد ومصادرة لحق الناس في أن لا يكونوا مسلمين ولحق حتى من كان مسلما في أن لا يلتزم بأحكام الدين الإسلامي وعباداته. فهل فعلا أن القاضي الذي أصدر الحكم قد تعدى على الفصل السادس من الدستور ؟ وهل فعلا أن قرار سجن من تجاهر بالإفطار في مكان عمومي يعد تعد على الحرية الشخصية للأفراد وعلى حرية المعتقد المكفولة دينيا بنصوص القرآن الواضحة والمكفولة قانونيا بأحكام الدستور الجديد؟ بادية لا من لا بد من توضيح مسألة مهمة وهي أن كل من تفاعل مع هذا الحكم ولم يقبل باتجاه المحكمة قد وقع في لبس وحصل له خلط بين حرية المعتقد وحرية الضمير والحق في أن يختار الإنسان المعتقد والفكر الذي يرتضيه من دون تدخل أو اكراه من أي سلطة وبين أن يجاهر الفرد بمعتقده ويتعمد ممارسته بما يتعارض مع حقوق الأفراد الآخرين ويخل بالجو العام للمجتمع، بما يعني أن القاضي في هذه القضية لم ينظر في مسألة المعتقد ولم يفصل في موضوع الإيمان من عدمه ولم يحاكم الموقوفين على أساس أنهم مسلمين أو غير مسلمين.. فهذه كلها قضايا محسومة ولا يتدخل فيها القضاء بل هي أصلا ليست من مشمولاته ولا من صلاحيته أن يناقش معتقد الناس ويفتش عن ضمائرهم وإنما الذي نظر فيه القاضي في هذه القضية هو فعل المجاهرة بالمعتقد المخالف لمعتقد غالبية المجتمع وناقش مسألة تعمد غير مسلم الاخلال بما دأب عليه المجتمع بالسماح للمفطرين بالإفطار في أماكن مخصصة وضعتها الدولة على ذمتهم تنفيذا لمبدأ حرية المعتقد والضمير وعدم السماح لهؤلاء بأن يجاهروا بالإفطار في الأماكن العامة والفضاءات العمومية فالموضوع في هذه القضية ليس في حق الناس في أن لا يكونوا مسلمين أو حقهم في عدم الالتزام بالصيام، وإنما الموضوع في هذه القضية هو في هل يمكن لهم أن يتركوا المقاهي الخاصة والأماكن التي وفرتها لهم الدولة والقيام بالإفطار في الأماكن العامة من حدائق وساحات عامة وغيرهما ؟ فالقاضي حينما جلبوا له هؤلاء الأشخاص نظر فقط في مسألة دقيقة وهي حفظ النظام العام وكيف يحافظ على الجو الروحاني لرمضان، وكيف يضمن حقوق وحريات الجميع صائمين ومفطرين لذلك لم يحكم على الأشخاص المفطرين في الفضاء العام على أساس أنه ليس من حقهم الافطار وإنما حكم عليهم بتهمة التجاهر بالإفطار في مكان عام مع وجود أماكن معروفة وفرتها الدولة لمن أراد أن يمارس قناعته في شهر رمضان لذلك جاء تكييف الحكم للموقفين على أنه تجاهر بالإفطار في مكان عام وتجاهر بالفحش - يعرف الفحش في القانون بالتصرفات التي تنال من الأخلاق الحميدة وهي مجموعة القيم والعادات الاجتماعية العامة التي يتفق حولها الكل - واعتداء على الآداب العامة للمسلمين في أن لا يتعمد أفراده التجاهر بالإفطار في رمضان والاعتداء على القيم والعادات الاجتماعية العامة المتفق عليها من طرف الجميع والتي تقر بأن للمريض الحق في الإفطار وأن من حق غير المسلم أن يمارس قناعته الخاصة. ومراعاة لهذه الحرية الشخصية وفرت الدولة أماكن معلومة وفتحت مقاهي مخصوصة لهم، ولكن في مقابل ذلك وحتى تجد نوعا من التوازن بين حريات وحقوق الجميع تكفلت بأن لا يقع الاعتداء على الروح العامة لشهر الصيام وضرورة احترام الآداب العامة للمجتمع في مثل هذه المناسبات ووازنت بين حرية المفطرين وحقوق الصائمين ووفقت بين حرية المعتقد وحق المعتقد بين حرية المفطر وحق الصائم، فالقانون لا يعاقب المفطر ولا يتدخل في حريته طالما لم يتعد على حرية غيره وحرية الأفراد وحرية ضمائرهم مكفولة طالما لا تتعدى على حق حرية غيرهم في أن يمارسوا معتقدهم هم أيضا فمبدأ التعايش المشترك ومبدأ حريتي تنتهي عند حرية غيري يقتضي أن لا يتدخل المؤمن في ضمير غير المؤمن وفي المقابل على غير المؤمن أن يحترم شعائر المؤمن وما يعتقد فيه وفي موضوع الحال فإن المتعارف عليه اجتماعيا ودينيا وقانونا أن لا يجاهر المفطر بإفطاره في الفضاء العام وأن يمارس إفطاره في أماكن وضعتها الدولة على ذمته وبهذا الإجراء تم التوفيق في الفصل السادس من الدستور بين رعاية الدولة للدين وحاميتها لمقدساته ومنع النيل منها وبين أن تلتزم الدولة بأن تكفل حرية المعتقد والضمير لغير المسلم . وبهذا الحكم تم التوفيق بين الفصل الأول من الدستور الذي نص على أن الاسلام دين الدولة وما يترتب على ذلك من ضمان الدولة لاحترام أحكام الإسلام وبين الفصل السادس الذي ينص على التزام الدولة كذلك بحرية المعتقد والضمير. فالنقاش لا يتعلق بفعل الإفطار في حد ذاته وحرية الضمير والمعتقد وإنما النقاش منحصر في فعل التجاهر بالإفطار في الأماكن العمومية مع توفر أماكن خاصة للإفطار وفرتها الدولة.