مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم يشرعان في النظر في مشروع قانون المالية لسنة 2026    مؤسسة صينية تعتزم إحداث وحدة جديدة لإنتاج بطاريات الليثيوم في تونس    كان في طريق العودة من المدرسة: شاحنة تُنهي حياة طفل ال7 سنوات..#خبر_عاجل    رسميا: الإعلان عن موعد الدورة 40 لمعرض الكتاب..#خبر_عاجل    استعدادات استثنائية لموجة البرد في سوسة    عاجل: هذا اللاعب الدولي ينضم رسمياً للمنتخب في كأس العرب    فضيحة في إنجلترا: لاعبة ''تخنق'' منافستها في ماتش ''الكاس!''    غلق 4 معاصر في باجة ...شنية الحكاية ؟    صدمة في سيدي بوزيد: وفاة شابين خلال تركيب الطاقة الشمسيّة    فلاحة صفاقس : اليد العاملة غالية وسعر الزيتون في ارتفاع    علامات تعني انّك مصاب بالكوفيد مش بنزلة برد    لا تتجاهل غسل الأرز... مفاجآت صحية وطهي أفضل    حادثة تكسير وتخريب المترو رقم 5: نقل تونس تكشف عن تطورات جديدة..#خبر_عاجل    الغرفة القطاعية للطاقة الفولطاضوئية و"كوناكت" ترفضان إسقاط الفصل 47 من مشروع قانون المالية 2026    النيران تلتهم موقع تصوير هذا المسلسل الرمضاني..#خبر_عاجل    تنبيه هام: انقطاع هذه الطريق بسبب ارتفاع منسوب المياه..#خبر_عاجل    عاجل/ جامعة البنوك تلوّح باضراب عام ثان    بينها متحوّر من كورونا: هذه الفيروسات المنتشرة في تونس حاليا..#خبر_عاجل    8 عادات صباحية خطر صامت ترفع مستوى الكوليسترول الضار لديك    منتخب إيران يقاطع قرعة كأس العالم 2026    عاجل: القنوات الناقلة مجانًا لكأس العرب وهذه الترددات    صدمة ولحظة رُعب: امرأة تتحرك داخل تابوتها قبل الحرق    كفاش تربح برشا فلوس من التيك توك ؟    هام: كل ما يجب معرفته عن رُزنامة التقوم الفلاحي التونسي    أيام قرطاج المسرحية 2025: المخرج العراقي سنان العزاوي يكسر "جدار" العنف المسكوت عنه ويكشف حكايات نساء خلف الأبواب الموصدة    معرض تشكيلي في مقر المنظمة العالمية للتجارة بجنيف دعما للفنانين التونسيين وللمنتوجات الفنية الإبداعية    بطولة الرابطة الثانية: تعيينات حكّام مباريات الجولة الحادية عشرة    كأس العرب قطر 2025: منافسات قوية وطموحات كبيرة في نسخة بطابع مونديالي    مدنين: امضاء 27 اتفاقية تكوين لتوفير يد عاملة مختصة في الصناعات الحرفية    الدورة الثانية من تظاهرة "هيا نحكيو ماكلة...زيتنا في دقيقنا " من 28 الى 30 نوفمبر 2025 بدار الاصرم بمدينة تونس    بطولة إفريقيا للكرة الحديدية الحرة موريتانيا: المنتخب الوطني التونسي ثلاثي يحقق هذه النتائج    المجموعة الموسيقية لجمعية مالوف تونس باريس صفاقس ...في انتظار المنستير وباريس    الخارجية السورية: الهجوم الإسرائيلي على بيت جن "جريمة حرب"    بوتين يتوجه إلى الهند مطلع ديسمبر القادم    جندوبة: استعدادات للتوقي من مخاطر التغييرات المناخية وتاثيرات موجة البرد    كأس العرب (قطر 2025): بعثة المنتخب التونسي تحطّ الرحال في الدوحة    تعرضت للابتزاز والتهديد ثم عثر عليها ميتة: الكشف عن تفاصيل جديد حول وفاة اعلامية معروفة..#خبر_عاجل    عاجل/ منظمة العفو الدولية تفجرها وتكشف: الإبادة في غزة مستمرة وجرائم الاحتلال لم تتوقف..    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة استثنائية..    حجز 5000 قرص مخدّر كانت موجّهة للترويج داخل الوسط المدرسي وللشبان    خلال اجتماعه بوزير الشؤون الاجتماعية: سعيد يوصي بتوجيه مساعدات عاجلة الى عدد من المناطق (فيديو)    سعيّد يُكلّف وزير الخارجية بتوجيه احتجاج شديد اللهجة إلى ممثّلة دولة أجنبية..#خبر_عاجل    الجمعة: تواصل الأجواء الشتوية    مصري يقتل عروسه قبل زفافهما    الغاز اللي يقتل في صمت في دارك وما تحسّش بيه....شوف التفاصيل    قضية التآمر على أمن الدولة1: أحكام بالسجن و خطايا مالية    ترامب يكشف عن خطط لطرد الصوماليين ويسخر من إلهان عمر    عاجل: جثة متآكلة غامضة لمرتدي ملابس غواص بشاطئ راس انجلة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون    خطبة الجمعة .. إنما المؤمنون إخوة ...    نابل: مشاركون في الاجتماع ال 29 لهيئة الاحصاءات الزراعية بإفريقيا يطّلعون على مراحل إنتاج زيت الزيتون البيولوجي ببوعرقوب    القيروان إفتتاح الدورة 5 الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية و البصرية بدور الثقافة    الجمهور يتأثر: الإعلامية المصرية هبة الزياد رحلت عن عالمنا    بمناسبة ال "بلاك فرايدي": منظمة إرشاد المستهلك تدعو الى التوقف عن الشراء ...    تهديد إعلامية مصرية قبل وفاتها.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياتها    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نشأت الحياة؟؟ (3)
نشر في الصريح يوم 16 - 06 - 2017

هل انتهينا إلى أن الحياة لا يمكن أن تظهر إلاّ من حياة سبق وجودها؟
وهل يكون باستور... العالم الفرنسي والذي لم يكن طبيبا، هو من... أثبت نهائيا هذا الأمر؟
أثبتت الملاحظة الدقيقة أن الجراثيم رغم صغرها هي كائنات معقّدة. كذلك، اعتبر المنطق، أنّ... إمكانية تشكّل الجراثيم عفويا أمر لا يمكن تصديقه. وبالتالي فَقَدَ أمر التوالد من الوحل وغيره كلّ حقّ في الحياة.. وغاب عن كلّ نقاش علمي رصين. ومنذ ذلك الحين، أصبح الجواب على السؤال «كيف بدأت الحياة؟» غير ممكن. لأنّ الحياة وجدت بطريقة غير عادية.
ويبدو أنّ الأغلبية الساحقة لمؤيّدي هذه النقاشات، قد مزجت ما بين مبادئ العفوية والفجئية. إذ أنّه لا يخطر ببال أيّ كان أن الحياة ظهرت تدريجيا وبالتطوّر. لكنّ ما غاب فعلا عن عامة الناس وحتى عن العلماء في تلك الفترة، هو البعد المهمّ للطبيعة:... ألا وهو عامل الزمن.
حسب نظرية التطوّر، فإنّ الأشكال الحيّة التي يمكن أن نتأمّلها لم تظهر في الطبيعة عفويّا. فالواحدة تنحدر... من الأخرى مع تغيّر ات لا تظهر... إلاّ بمرور فترات زمنية كبيرة.... وتختلف الحيوانات والنباتات الموجودة الآن عن تلك التي عاشت منذ ملايين السنين. والأحافير المدفونة وبقايا الحيوانات أو النباتات التي عاشت في عهود بعيدة جدا هي دليل التغيير. نتيجة لذلك وخلافا لاعتقاد متّفق عليه عموما، فإنّ الكائنات ليست مستقرّة ولكنها تتغيّر على مرّ مراحل طويلة.
وبما أنّ الكائنات تنحدر هكذا الواحدة تلو الأخرى متغيّرة بالتنوّع والانتقاء الطبيعي، ستبدو أشكالها الأكثر بساطة إذن هي الأكثر قدما. بُعد غير متوقّع، يظهر فجأة: عمق الماضي.
دون إدراك الزمن الذي يعطي شكله، عمقه وتواصله مع الأشياء، يمكن أن يُشَبَّه أجدادنا بكائنات «مسطحة» في بعدين. الأشكال الحيّة التي يرونها حولهم ليس لها ماض ولا تاريخ. في نظرهم، تظهر هذه الأشكال فجأة وتلقائيا في إعادة لا نهائية مطابقة للحاضر. إذن، نفهم في هذه الحالة أنّ معرفة واكتشاف الأشكال الجديدة لا يمكنها إلاّ أن تنتشر في الفضاء، يعني ذلك في البعد. وهذا ما حصل. فباكتشاف الصغر غير المحدود والميكروبات، ينتشر المخطّط. لكنّنا لا نفهم دائما العلاقة الخفيّة التي توجد بين الكائنات. يمكننا أن نرتّب، نصنّف، وننظّم أشكالا ثابتة وغير متحرّكة ولكن يبقى أصلها معتّما. وعلى العكس، منذ إدراك «الشكل» الذي أتت به نظرية التطوّر، توقّفت الأشكال الحيّة عن الترتّب في الفضاء داخل أقواس واصطفّت، من الأكثر سهولة إلى الأكثر تعقيدا، في نظام زمنيّ حسب ظهورها بحيث تأخذ الأقواس شكل شجرة النسب.
وبالعودة إلى الميكروبات، فإنّ الوجود المفاجئ لهذه الحياة المجهرية، لم يتمّ في شكل جيل متواصل.
في نظر بعض العلماء، كان تطبيق أصل الحياة جدّ بسيط: جراثيم جُلبت بواسطة أحجار نيزكيّة أو بواسطة غبار فضائيّ، انتشرت في الأرض وذلك في ماضيها البعيد. هذه الجراثيم أعطت بعد ذلك ولادة، بتواصل التطوّر، لجميع أشكال الحياة الموجودة فوق كوكبنا.
لكن، هذه النظرية المسماة بالتَّبَزُّرُ الشامل تصادمت باعتراضات جدّية. أحياء مجهرية منساقة في الفضاء فوق غبار ناتج عن ضغط الأشعّة، كما قدم الكيميائي السويدي سفانت أرينيوس سنة 1908، كانت تتعرّض خلال رحلتها الطويلة إلى ظروف قاسية جدا. من المحتمل أن تكون هذه الجراثيم قد تصارعت من أجل الحياة وبدت في شكل أبْواغ صامدة للمفعول الخطير للأشعة فوق البنفسجية وأشعّة الكواكب والحرارة القصوى.
ومنذ عهد قريب وبالتحديد سنة 1977، اقترح كلّ من الفضائي البريطاني فراد هوبل ون. س. فيكرام ازينغهي أنّ لبِنات الحياة تتكوّن باستمرار في الكون وأن المذنّبات يمكنها أن تكون عبارة عن «مبعوثين» يجلبون على الأرض جراثيم الحياة ولكن في شكل فيروسات أو بكتيريات. هذه النظرية تمّ إعادتها سنة 1982 من البريطاني الحائز جائزة نوبل، ف. ه. س. كريك الذي أضاف للتَّبَزُّرُ الشامل التلقيح «التطوعي» للأرض بذكاء خارق! لكن، من غير الضروري توضيح أن هذه النظريات لا تزال تملك معارضة من طرف علماء آخرين.
وأخيرا، إذا أردنا رسم شجرة تطوّر الكائنات فعلينا الانطلاق من البكتريات الأَوَّلاَنِيَّاتُ فالفطريّات. إثرها نجد السرخيّات فالإسفنجيات، فالسفّورات، أو توتياء البحر. بعد ذلك نجد الطحالب فالحشرات، ثم نجد الأسماك فالضفدعيات فالزواحف فالأطيار فالثدييات.
وهذا المنوال من التطوّر لا يتحمّل أيّ نقض حتى من رجال الدين أنفسهم..
لكن لا يزال هذا المفهوم منتشرا بقوّة. حسبه، يمكن أن يكون الظهور المفاجئ، في فترة قديمة جدّا من تاريخ الأرض، لكائنات بسيطة جدّا (مشابهة للفيروسات) نتيجة لخلط كيميائي غير مقصود، انجرّ من المقابلة العفوية لبعض الخلاصات الموجودة في الأبعاد المطلوبة. لكي يحصل حدث بعيد الاحتمال، حتى لمرّة واحدة، يكفي تخيّل مدة طويلة بما فيه الكفاية «ليحضى بالصدفة». كما يقول ج. فالد: «... بمرور الوقت، يصبح ما هو غير ممكن ممكنا، الممكن يصير محتملا والمحتمل يصير تصوّرا أكيدا». آنذاك، تتطوّر «الجينات العارية» عند تكوينها وتعطي ولادة كلّ عالم الحياة بلعبة التغيّرات والانتقاء الطبيعي.
ومثل هذا التداول للأحداث الذي يجلب المكوّنات الكيميائية اللازمة في مسافة معقولة، المواد المزوِّدة بالطاقة الضرورية، الحفّازات الضروريّة... وهذا يمثّل صدفة «إعجازيّة» بحيث لا يدهشنا البتّة. وقد أيّد هذه الفرضيّة، «هذه المعجزة» منذ ذلك الحين، كلّ العلماء.
ولهذا السبب يكون للحياة أصل واحد وحيد. ....
آنئذ، نعثر، وفقا «للخلق بالصدفة»، على المفهوم الموضوعي القديم للفجئية في ظهور الحياة.
رغم ذلك، حقّق العلم تقدّما سريعا خلال هذه السنوات الأخيرة. كذلك، مكّنت الكيمياء البيولوجيّة، بيولوجيا الجزيئات والسّيِبَرْنِيَّات (علم عمليات التواصل والتحكّم في الحيوانات والآلات) من تكوين فكرة أكثر دقّة عن ظاهرة «الحياة». فهل من الممكن أن نقيم حدودا بين الجامد والحيّ؟
قديما، اكتشف المشرّحون والوظائفيّون المبهورون بالمِبضع، التنظيم الخارق لمكوّنات الحياة: الأعضاء، الأنسجة، الأوعية، الشعيرات، الأعصاب، العضلات والعظام. أمّا اليوم، فيجد علماء البيولوجيا الجزيئيّة والخلويّة أنفسهم في حالة مشابهة، لكن هذه المرّة... على مقياس الألف ملّمتر: اكتشفوا، في قلب الخليّة... نفسها، بفضل المجهر الألكتروني وتقنيات التوسيم، تنوّعَ وتشعّب... الأعضاء الجزيئيّة التي «تسيّر» الخلايا الحيّة.
لقد سبق وأن دفع لويس باستور بحدود الحيّ موضّحا الدّور المهيمن للجراثيم غير المرئية بالعين المجرّدة بالرغم من إنّها تكون تارة مسؤولة عن أسوأ الأمراض وطورا تكون حليفة الإنسان في صنعه للأغذية والمشروبات. بتعليمنا أن نحمي أنفسنا ضدّ الجراثيم الخطرة، صار باستور... رائد الطبّ الحديث. لكنّه أيضا بتوجيهنا لكيفية ترويض حلفائنا الغير مرئيين، أصبح رائد الصناعة البيولوجيّة. قام كلّ من جاك مونود وعلماء البيولوجيا الجزيئية، بعد قرابة قرن، بتوسيع حدود البيولوجيا. هذه المرّة، باتّجاه... الجزيئات التي يدرسها الكيميائيون والفيزيائيون. بعدئذ، أقاموا جسرا بين عالم الأحياء المجهرية وعالم الجزيئات. ولأوّل مرّة، أصبح ممكنا، آنذاك، فهم وترجمة الآليات الأساسية للحياة بلغة المعارف والتفاعلات الحاصلة بسلّم الجزيئات. تتحول ساحة معركة الثورة البيولوجية، منذ ذلك الحين، إلى قلب الخليّة - البكتيرية حيوانية كانت أو نباتية- هو عالم رائع مسكون بالرسائل المرموزة، بأجهزة الاستقبال وشبكات الاتّصال وخزن المعلومات أو الآلات، المجهرية الجزيئيّة والأتوماتيكية.
أستاذ في الطب، أمين عام الجمعية التونسية لتاريخ الطب والصيدلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.