تأسيس حركة "نداء تونس"، من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية من "روافد" فكرية وسياسية مختلفة بل متباينة، في 16 جوان 2012 لحظة "فارقة"، في المشهد السياسي والحزبي التونسي ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث استطاع هذا الحزب، من بناء "كتلة تاريخية" صماء تصدت لهيمنة التيار الاسلامي على الحياة السياسية، وبالتالي حماية "النمط المجتمعي" التونسي من "الأسلمة" أو الأصح من "الأخونة"، كما استطاع أيضا كسب معركة المنافسة على السلطة، وهو ما حصل فعلا من خلال الفوز بالاستحقاقات الانتخابية التي تمت سنة 2014 (سنتين بعد تأسيس الحزب)، الانتخابات التشريعية والرئاسية، لكن بعد ذلك دخل الحزب في أتون أزمة لم يستطع الخروج منها، نجم عنها حصول تصدعات كبيرة في هيكله التنظيمي وفي كتلته النيابية في البرلمان، ما جعل الملاحظين يشيرون الى أنه وبعد 5 سنوات من ميلاد ه، فانه يعرف حالة "تفكك" و "انهيار" لا في بنيانه التنظيمي والهيكلي فقط بل أيضا في هويته السياسية، في ظل وجود إصرار على تصفية "تركة التأسيس"، من خلال فتح أبواب القيادة لوجوه وافدة "جديدة" أغلبها يحمل "ثأرا" شخصيا"، ها فضلا عن رواج صورة سلبية حول الحزب، بسبب قرب بعض رموزه القيادية سواء في ما يسمى ب "القيادة الوطنية" أو في الكتلة البرلمانية، من شخصيات موقوفة بشبهة "الفساد" و "التلاعب بأمن البلاد". تجدر الاشارة الى أن أزمة الحزب الحاكم، بدأت منذ الفوز في الانتخابات والوصول للحكم، حيث عجزت القيادة التي خلفت رئيسه ومؤسسه، الباجي قائد السبسي، عن المحافظة على وحدة الحزب وتماسكه. بدأت التصدعات، من خلال استقالة الأمين العام السابق، محسن مرزوق (الذي أخذ معه جزء من الحزب واس سبه حزب جديد)، تلتها استقالة مجموعة من القيادات المؤسسة، من أبرزهم المدير التنفيذي السابق للحزب رضا بلحاج، الذي شغل أيضا مدير الديوان الرئاسي، قبل أن يقع التخلي عنه. وقد ساهمت هذه الاستقالات المتواترة في إضعاف الحزب الذي فقد الأغلبية في البرلمان لصالح حزب النهضة الإسلامي. ومثلما كان منتظراً فإن أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها للبيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد. وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم، فقد كان لهذه الخلافات تأثير مباشر على أداء واستقرار حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد الذي لا يحظى الآن بدعم وسند من "نداء تونس" بل أن البعض من قيادة الحزب الحالية "يخطط" لإزاحته. أزمة الحزب أثرت أيضا، بصفة سلبية على مجلس نواب الشعب (البرلمان)، سواء في ما يتعلق بمراقبته للحكومة أو من حيث القيام بدوره التشريعي، من دون أن نغفل عن وقع هذه الأزمة على هيكلة البرلمان، توزيع الكتل والأغلبية البرلمانية. كما لم يسلم قصر الرئاسة بقرطاج من شظايا نيران أزمة النداء، من ذلك أن الرئيس وكبار مستشاريه قد تحولوا إلى طرف في الأزمة، ما أثر سلبا على رمزية واعتبارية الرئيس ومؤسسة الرئاسة. وهو ما دفع الرئيس السبسي إلى "التبرؤ" في أكثر من مناسبة من "شبهة التوريث"، وذلك ردا على "اتهامات" له بأنه يسعي لتوريث نجله، في حزب "نداء تونس" وفي مؤسسات الحكم. كشف مسلسل الاستقالات، عن بداية حصول تفكك في الحزب الحاكم، وبالتالي تخلخل في التوازن في المشهد السياسي والحزبي، ما جعل المراقبين يجمعون على أن تونس دخلت منذ سنوات في "أزمة سياسية"، ستكون تداعياتها لو استمرت مربكة لوضع يوصف بكونه "هشا" وغير مستقر. إن عدم تطويق أزمة الحزب الأغلبي، سيجعل البلاد أمام وضع جديد، تكون فيه كل السيناريوهات ممكنة وواردة. كما أعادت أزمة الحزب الأغلبي وانخرام التوازن السياسي جذوة خطاب الاستقطاب الأيديولوجي، بين الإسلاميين والعلمانيين، وهو خطاب خلنا أنه تراجع بعد إقرار "التعايش" بين الطرفين، من خلال الحكم معا في حكومة واحدة. وهنا عاد للسطح وبقوة الحديث مرة أخرى، عن جدوى خيار التحالف بين "النهضة" و"النداء"، الذي قوبل برفض كبير من داخل الحزب ومن قاعدته الانتخابية والشعبية، والذي كان خيارا فرديا من الرئيس الباجي قائد السبسي زكته حينها كل قيادات الحزب بما في ذلك التي تعمل اليوم بالليل والنهار على "التبرأ" منه. أما في المستوي المجتمعي، فاننا نلاحظ أن أزمة "نداء تونس"، ساهمت في مزيد تعميق انعدام ثقة التونسيين في الأحزاب وفي السياسيين، وهو ما سيكون له بالضرورة انعكاسات سلبية على الاستحقاقات القادمة، سواء البلدية أو غيرها.
(*):"نداء تونس يغرق في أزمة بلا نهاية"، عنوان لمقال في جريدة "لوموند" الفرنسية، حول أزمة "نداء تونس".