أفادتنا مصادر أنّ شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد للاطلاع على ملفات تتعلق بحوالي خمسين موظفا ساميا في الدولة ثبت تورّطهم في الفساد،وهي التي قدمتها الهيئة للقضاء،وذلك من أجل أن يقرر «الشاهد» تجميدهم أو إبعادهم عن مناصبهم الى حين استكمال الإجراءات القضائية.. ويبدو أن الأمر ينسحب على بعض الوزراء مثلما هو الشأن بالنسبة الى الموظفين السامين في الادارة التونسية والراجعين كلهم بالنظر الى رئيس الحكومة ليقرّ في شأنهم القرار الإداري الحكومي..ولذلك لم تعد المصادر تستبعد أن يقوم «الشاهد» في الفترة القريبة المقبلة بتحوير أو تعديل وزاري سيشمل عددا من الوزراء،علما أنّ بعض الذين سيتم إبعادهم عن الحكومة ليسوا بالضرورة من ذوي شبهات فساد أو اتهامات،وذلك على غرار المكلفين بقيادة وزارات بالنيابة كالتربية والمالية وغيرهما.. وزراء أمام القضاء ؟ وصل الأمر لحد أنّ بعض الوزراء في الحكومة باتوا مهددين بالمثول أمام القضاء كمتهمين بالفساد،وهو ما سيدفع بالشاهد الى التعجيل بتعديل وزاري ضروري،وفق تعبير مصادرنا التي أكّدت أنّ رئيس الحكومة ما انفك يفكر طيلة الفترة المنقضية في إدخال تغييرات على مناصب وأسماء وزراية وخصوصا في هذه الفترة الراهنة التي باتت تتطلب مزيدا من التحدي وإبراز مصداقية رغبة «كبار» المسؤولين في الدولة في إنجاح هذه المرحلة الصعبة،وخصوصا أنه لم يعد من المقبول أن يعمل وزراء في ظل اتهامات بالفساد تطالهم مثلهم مثل سائر الموظفين السامين أو الأشخاص الآخرين..وإلى ذلك أفادت المصادر القضائية الرسمية بالأمس أنّ النيابة العمومية أذنت لأحد قضاة القطب القضائي المالي بفتح تحقيق ضد كل من وزير البيئة الحالي رياض الموخر والمستشار السابق بديوانه منير الفرشيشي وكل من سيكشف عنه البحث،بتهمة استغلال موظف عمومي صفته والتصرف دون وجه حق في أموال عمومية والمشاركة في ذلك.وهي تُهمة يراها العديد كافية لإماطة اللثام عن ممارسات لم تعد تحظى بالقبول وظلت محل انتقادات وسخرية،وخصوصا أن هذه المسألة المتعلقة بالموخّر ليست بالجديدة بل ومنذ تسلّمه مقاليد الوزارة المذكورة وإقدامه على إجراءات يعارضها العديد من المواطنين كإجراء تعويض الأكياس البلاستيكية في الفضاءات التجارية الكبرى واستبدالها بأخرى بأثمان مختلفة بعد أن كانت مجانية،وتسببها في الحديث عن صفقة لفائدة احدى الشركات غير التونسية وهو أمر لا يخدم الاقتصاد والمؤسسات الوطنية ولا التونسيين في شيء وفق تعبير العديد من المنتقدين،كما سبق للنائبة بمجلس نواب الشعب سامية عبو أن دعت وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر إلى الاستقالة على خلفية شبهة فساد تعلقت بأحد مستشاريه.واتهمت المؤخر منذ جلسة 8 مارس الماضي بالكذب وكانت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس قد قضت بأربع سنوات سجنا في حق المكلف بمأمورية في ديوان وزير البيئة وذلك في قضية فساد مالي،وتتعلق القضية بوجود فساد مالي في نادي عليسة الذي أسسته زوجة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي كما قضت نفس المحكمة ب10 سنوات سجنا في حق وزير البيئة الأسبق نذير حمادة والرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في نفس القضية..مع العلم أنّ الفرشيشي قدّم استقالته من منصبه كمستشار بديوان وزير الجماعات المحلية والبيئة في حين لم يفضّل رياض الموخر الاستقالة الى حد الأمس.وقد يكون يعتزم القيام بها قبل إقالته من قبل رئيس الحكومة شأنه في هذا شأن بعض الوزراء أو الموظفين السامين في الدولة الذين تحوم حولهم اتهامات مشابهة،حسب ما تؤكّده المصادر.. أحزاب في حكومة «وحدة وطنية» ضد وزراء !؟ لم يقف الأمر عند ذلك الحد،بل أصبح بعض أحزاب ما يسمى بالائتلاف الحاكم على غرار حزب آفاق تونس لا ينفي وجود شبهات فساد تتعلق ببعض أعضاء الحكومة نفسها،وكأنّ الفساد ينخر حكومة الشاهد من الداخل وهو ما لم يعُد يرضي حتى المشاركين في التركيبة الحكومية الحالية،وأصبح منهم من هو ضد وزراء من الحكومة ذاتها..وفي هذا السياق بات من الأكيد أن حزب آفاق على سبيل الذكر لم يرغب في بقاء مهدي بن غربية ضمن الحكومة الحالية،وقبل ساعات من نشر خبر إحالة وزير على التحقيق كان ياسين ابراهيم رئيس الحزب المذكور «الشريك» في الحكومة قد صرّح بأنه «على الشاهد أن ينظف داره،ولا يمكن محاربة الفساد بوزراء تحوم حولهم شبهات»..ومن ناحيته عبّر وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان المهدي بن غربية عن استيائه من تصريحات رئيس حزب آفاق تونس الذي اتهمه بالفساد،واعتبر بن غربية أنها «اتهامات لا تستهدف شخصه وإنما تستهدف الحرب على الفساد وحكومة الوحدة الوطنية ورئيسها يوسف الشاهد»،مشددا على أن اتهامات إبراهيم الموجهة له باطلة وافتراء وأنه يتحدى إثباتها بالأدلة.كما نفى وجود أية قضية جارية ضده،مضيفا قوله «إنّ ياسين ابراهيم لم يتعاف بعد من قضية بنك “لازار”،التي قمت بواجبي تجاهها باعتبار أن ملفها تحوم حوله عديد الشبهات ومخالف لكل الإجراءات الإدارية مما دفع حكومة الحبيب الصيد الى إلغائه».. ومهما تكن صحة الاتهامات من عدمها،فالمسألة تؤكد وجود خلافات وعدم انسجام وتجاوب بين أحزاب «حاكمة» وبعض وزراء الشاهد،بل ووصلت الأمور لتبادل الاتهامات والتلاسن علنا بين طرفين يُفترض أن لا يكونا معا ضمن ما تسمى بحكومة وحدة وطنية..ولعل يوسف الشاهد قد فهم حقيقة مثل هذه الأمور وأضحى مطالبا بتغيير على مستوى تركيبة حكومته من أجل الخروج من هذه المشاكل التي قد تتطور الى أكثر من مسألة وزير أمام القضاء واتهامات وزراء آخرين بالفساد،وتصبح الأجواء ممهدّة للإطاحة بحكومته.ولذلك من المرتقب وحسب المصادر العليمة بهذا الشأن أن يسارع رئيس الحكومة بالتعديل الوزاري وهو ما قد يكون تناوله مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي في لقائهما بالأمس،وفق ما تسرّبه المصادر..