كل تطور تعرفه الانسانية يمثل تقدما كبيرا لها كما هو شأن الطبّ مثلا والقضاء على كل أشكال الآلام التي كانت سببا مباشرا في تعذيب عدد كبير من البشر الذين ابتلو بعدد من الامراض القاسية، لكن هذا التطور في مجال الطب مثلا له مشاكله مقابل حسناته. فالاعتماد فقط على الادوية يضعف بطبيعة الحال المناعة التي يكتنزها البشر وكل الكائنات الحيّة لحماية أنفسهم من العاهات والأمراض. وكذلك الامر بالنسبة للحروب فإنّ تطور الاسلحة وقدرتها الفائقة والمتزايدة في إتلاف البشر وصل بها الى اكتشاف القنبلة الذرية التي في آخر الامر وضعت حدا للحروب الكلاسيكية لأنها سلاح مدمّر ولا تكتفي دولة واحدة على امتلاكه. فكل ضربة من هذا السلاح الذري وما تنجزه من هلاك قد تجر الى هجوم معاكس يكون له نفس النتائج المدمرة على من أطلق الشرارة الاولى النوويّة. لكن مقابل ذلك ها نحن نتابع من خلال التوتر الارهابي الذي تشهده عدة بقاع من العالم ولا سيما في العالم العربي التطور الذي أصبح يمتلكه الارهابيون في مجال الانترنات وتسخيره في تطوير قدراتهم على التسرب والضرر أكثر من أيّ حزام ناسف. وكذلك الامر بالنسبة للحرية التي استبشرنا بها جميعا لأنها توفر للانسان مقومات إنسانيته كفتح المجال أمامه للتعبير والمساهمة في القرارات العامة لكنها في مقابل ذلك تحرر الانسان من كل مقومات الردع لديه فيأتي في هذه الحالة أعمال اجرامية بشعة لا يقبله الضمير الانساني. وخلاصة القول فيما أشرنا إلى بعض جوانبه فإنّ التقدم على أهميّته قد يُخفي العديد من أسباب الاضرار بالمقومات الانسانية للبشر. وهذا ما يستوجب من الجميع مزيد الحذر للتفطن مبكرا لهذه المخاطر حتى ينعم جميعنا بكل مظاهر التقدم والاستفادة منه في مجالات كبيرة وعديدة للرقي بالإنسان كالحرية والتقدم والعدالة والمساواة على أن لا يستغلّ ذلك المتطرفون من أيّ جهة كانت لكبت الانسان وتدمير كل مجالات حريته وضرب مستقبله في الصميم. فالإنسان كائن متطور في كل المجالات الايجابية والبشعة الأخرى الكامنة فيه لأسباب مرضية أو مرتبطة بالفهم الخاطئ للماضي والتفسير المغلوط للقيم المشعّة للتاريخ.