لاشك ان المربين والبيداغوجيين والمفكرين والمثقفين مطالبون في اقرب وقت وفي اسرع حين بايجاد حل وطريق وسبيل لانقاذ شعبة الاداب من هذا النتاج الهزيل الذي حير التونسيين بعد الاعلان عن نتائج باكالوريا هذا العام والتي تحصلت وحصدت فيها شعبة الآداب على اضعف نسبة نجاح في تاريخها العريض الطويل.. واني أرى وأقول ان السبب الاول الكبير الذي كان وراء هذا الفشل هو تغييب او الاستهانة او الاستهزاء ببيداغوجيا الحفظ والتلقين الذي اصيبت به شعبة الآداب.. في هذه البلاد فقط طلع علينا جماعة من المربين ومن البيداغوجيين في غفلة وفي اخر هذا الزمان قائلين وزاعمين ان الحفظ مرهق للتلميذ وغير ضروري في اسلوب تكوينه الأدبي والديني والفكري لا من الشمال ولا من اليمين، فماذا وقع وماذا حصل نتيجة لهذا الخطا الفادح المبين؟ الم يصبح تلاميذ الباكالوريا عندنا لا يحفظون ولو شيئا قليلا ضروريا من القرآن الكريم ولا من الشعر ولا من النثر العربي الأصيل؟ الم نعد نراهم يكتبون مقالات ضعيفة سخيفة في العربية وفي الفلسفة وفي التفكير الاسلامي مليئة بالأخطاء اللغوية والفكرية والمرجعية الم نعد نراهم يكتبون ويتحدثون عن شاعر أو كاتب او فيلسوف أو مسالة دينية دون ان يستشهدوا ولو بشيء قليل من الأيات القرانية أو من الأقوال الجميلة أو من الأشعار اومن الحكم او من الشواهد المشهورة التاريخية؟ أولم تصبح الأغلبية الغالبة من تلاميذ الباكالوريا آداب -ويا للعجب العجاب- يتحدثون ويذكرون العديد من الشعراء والمفكرين وعلماء الدين المذكورين في برامج تعليمهم الرسمية.. فاذا سألتهم هل تحفظون شيئا ولو قليلا مما قاله هؤلاء الرجال أجابوا ان ذاكرتهم ضعيفة في مجال حفظ الأشعار والايات والحكم وغيرها من روائع الأقوال؟ فهل ترجون أو تتصورون ايها المربون وأيها البيداغوجيون ان يطمع ويسعى تلميذ ذو ذاكرة ضعيفة كسولة ان ينجح في شعبة الآداب وان يحقق فيها نتائج مرضية مقبولة؟ وهل قرأ المربون حقا وفهموا وتمعنوا فيما كتبه وذكره العلامة ابن خلدون رحمه الله وطيب ثراه وما تفطن اليه منذ سنين وقرون من ضرورة العناية بترسيخ ملكة الحفظ في التلاميذ عندما قال بلسان عربي متين في الفصل السابع والخمسين لجميع المربين والبيداغوجيين(قد قدمنا انه لا بد من كثرة الحفظ لمن يروم تعلم اللسان العربي وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه وكثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ...وعلى مقدار جودة المحفوظ او المسموع تكون جودة الاستعمال من بعده ثم اجادة الملكة من بعدهما فبارتقاء المحفوظ في طبقته من الكلام ترتقي الملكة الحاصلة لان الطبع انما ينسج على منوالها وتنمو قوى الملكة بتغذيتها...فالملكة الشعرية تنشا بحفظ الشعر وملكة الكتابة تنشا بحفظ الأسجاع والترسيل...وعلى حسب ما نشات الملكة عليه من جودة او رداءة تكون تلك الملكة في نفسها فملكة البلاغة العالية الطبقة في جنسها انما تحصل بحفظ العالي في طبقته من الكلام...)(المقدمة ص596/597).. أظن وأقول مع الأسف الشديد ان اغلب المربين والبيداغوجيون في بلادنا اليوم لم يقرؤوا ولم يفهموا هذا الكلام الخلدوني المبين وان الذين قرؤوه وفهموه تركوا قوله واتبعوا قول غيره من الذين استهانوا بتراث تربيتنا وثقافتنا العربية الاسلامية وفضلوا عليه تربية وثقافة وتفكيراعداء الأمة العربية الاسلامية الذين يخططون ويريدون ان ينشؤوا فينا شبابا لا يفهمون ولا يتذوقون في اي مجال وفي اي موضوع ولا يفرقون بين الكلام الحسن والكلام الرديء ولا حتى بين الكوع والبوع وعلى كل حال فانني ساسال و اقول لمن سيجادلونني ويعارضونني ويخاصمونني في ضرورة الاسراع باعادة طريقة وسبيل وبيداغوجيا الحفظ في الاصلاح التربوي المرتقب في شعبة الأداب أروني ماذا اثمر وماذا افرز وماذا انتج تغييبكم ورفضكم لبيداغوجيا الحفظ في التربية والتعليم غير تنشئة شباب فارغ التكوين وضعيف العقل وضعيف الدين قد حقق في امتحان الباكالوريا هذا العام نتيجة كارثية ماساوية يندى لها الجبين؟ فليتكم تراجعون الحق وتهتدون الى سواء السبيل وتستفيدون مما قاله ابن خلدون وهو من اكبر المربين قبلكم بشهادة كل المؤرخين والذي تربى على اسلوب وبيداغوجيا حفظ ايات الكتاب المبين واحاديث محمد خاتم الأنبياء والمرسلين واشعار وحكم وكتب الأدباء العظام المبدعين واظنه لو قام اليوم من قبره وراى مستوى تلاميذنا اليوم ونتائج شعبة الاداب لقال دون شك او ارتياب لهؤلاء المربين ولهؤلاء البيداغوجيين الذين تسببوا في تدني مستوى تلاميذنا بازدراء وتغييب وتهميش اسلوب وبيداغوجيا التحفيظ والتلقين لقد اخطاتم في حق الشباب وجعلتم عقولهم فارغة مما يجب ان يتعلمه ويعرفه ويفهمه كل الذين ينتمون الى شعبة الاداب حتى تكون شعبة فكر وفهم وتعبير وفن جميل وليست شعبة تعب وقلق وحيرة واوهام وضباب وعذاب