عشية أمس وجدت نفسي في العاصمة أتسكع وإذا بي أجد أحد الباعة وقد وضع على قارعة الطريق كدسا من الكتب القديمة.. فتوقفت وأخذت أتصفح تلك الكتب وإذا بي أكتشف أن معظمها لميخائيل نعيمة وسألت البائع عن الثمن فقال: الكتاب بدينار.. ومعنى ذلك بكل بساطة أن ثمن ميخائيل نعيمة لا يزيد عن دينار واحد.. شيخ الشخروب كما يسمونه في لبنان وفيلسوف ومفكر لبنان على عظمته ومجده وقدره بدينار واحد على قارعة الطريق ولا من مجيب.. إيه.. يا سخف الزمان!!! ومع أنه دينار واحد فإن لا أحد يشتري.. أو يتفرج أو يكترث.. أو حتى يتصفّح!!! وسألت البائع: كم كتابا بعت هذا اليوم؟ فضحك وقال: «وراسك» لم أبع ولا واحدا.. إنني منذ الصباح الى الآن أنتظر من يشتري.. ولا أحد يشتري.. ويبدو أنني سأرمي كل هذا الكدس الذي تراه في صندوق القمامة القريب من هذا المكان.. وأظن أن البائع سيضطر الى أن يفعل ذلك في حق ميخائيل نعيمة وهو من هو ويرمي به في المزبلة غير مأسوف عليه فلا أحد يطلبه.. ولا أحد يهمه أمره.. ولا أحد يهتمّ بما قال.. وبما كتب.. وبما سجّل من أفكار.. آه.. يا لسخف هذا الزمان!!! وقد تركت البائع يواصل عرض بضاعته ثم عدت اليه في آخر المساء فوجدته حزينا وفي حالة يرثى لها فهو لم ينجح في بيع ولا كتاب واحد.. وحتى عندما خفّض في السعر ورضي بأن يبيع الكتاب الواحد لميخائيل نعيمة أو غيره من الكتاب بنصف دينار فإن الكساد تواصل ولم يبع ولو نسخة واحدة واستمرّ تجاهل المارّة له.. ولم أصدّق أن ميخائيل نعيمة بنصف دينار إلا عندما اشتريت من عنده مجموعة من الكتب.. لقد باعني الكتاب الواحد بنصف دينار.. وهو في منتهى السعادة وظلّت عبارة «الله يرحم والديك» تلاحقني حتى عندما ابتعدت مسافة طويلة.. هكذا هو العصر.. لقد رخصت الثقافة.. وصار ميخائيل نعيمة لا يعني شيئا وكأنه لم يكن ذات يوم ملء الأسماع وشاغل الناس.. أتذكر أنني عندما كنت أقيم في بيروت وسعيت اليه في قريته الصغيرة القريبة من العاصمة اللبنانية والتقيت به شعرت وكأنني ألتقي بأحد ملوك العصر.. أو كأنني حصلت على كنز.. أو كأنني حققت حلما كبيرا من أحلامي الكثيرة.. كيف لا؟.. وأنا ألتقي بعملاق من عمالقة الأدب العربي ورفيق جبران خليل جبران وأحد أكبر رموز شعراء المهجر.. ولم أكن أتوقع مطلقا أن يهون ميخائيل نعيمة الى هذه الدرجة ويتحوّل الى بضاعة كاسدة على قارعة الطريق.. إنني في حالة حزن وذهول.. بل أشعر بشيء من الألم!!!