«حوت حلق الوادي» من سوق الجملة... والثلج يعوض الماء و«الدواء لحمر»! للميزان أدوار كثيرة وبعضهم يبيع الكيلوغرام من «الكاغط» ب 13 دينارا.. نصيحة للرجال: المرأة «عدوّة» الجزارين فعوّلوا عليها مازلنا في أجواء رمضان المعظم.. الشهر الذي يفترض فيه ان يتخلى الانسان عن عاداته السيئة وأن يستقيم في معاملاته مع الاخرين.. ومرة أخرى نجد انفسنا مجبرين على العودة الى الحديث عن الغش الذي لا يحلو لبعضهم إلا في رمضان.. هذه المرة سنعطيكم أمثلة «حية» لحالات الغش التي أصبحت «فنا» قائم الذات ما إن تصبح بعض جزئيات أنتيكة حتى يستنبط الغشاشون حيلة أخرى أكثر دهاء وأكثر مكرا. الامثلة التي نرويها لكم ليست من «إذاعة قالوا» وإنما رواها لنا تجار أولاد سوق ومهنة.. أما الاسماء التي سنذكرها فهي مستعارة بناء على طلب اصحابها لانه ليس من السهل أن يحدثك غشاش عن أساليب غشه ويسمح لك بنشر اسمه الحقيقي.. وليس من السهل أيضا أن يحدثك تاجر عن «زميل» غشاش ويعطيك اسمه الحقيقي بما يمثل ذلك من احراج وأشياء أخرى. «حوت حلق الوادي» السمك الذي نراه في الاسواق البلدية أو الاسواق الشعبية هو مبدئيا من مصدر واحد وهو سوق الجملة لكن بعض الباعة وفي أماكن معينة يصرون على ان السمك الذي يبيعون ليس من سوق الجملة بل هو «حي» يرزق و«مازال كي جاء من حلق الوادي» أحد العارضين بخفايا الامور واسمه المستعار «عم الكيلاني» قال موضحا أمرا هاما: بعض التجار كانوا في السابق يعمدون الى وضع أسعار مجنونة على سمك يدعون انه من حلق الوادي (وهنا لا يجب أن أظلم البعض ممن يبيعون فعلا سمك حلق الوادي) كي يعتقد الناس انه مختلف عن السمك الاخر.. الآن لم يعد ذلك يكفي فصار البعض يأتي معه بقليل من أعشاب البحر وخاصة ما يسمى «الذريع» ثم «يبلحط» السمك بالرمل كي يوهم الناس بأنه قادم على التو من شاطئ حلق الوادي وكي لا أدخل بكم في تفاصيل كثيرة اقول فقط إن بعضهم يشتري السمك مثل الاخرين من سوق الجملة بل ان بعضهم «شاري من تحت شاري» ثم يدعي بعد ذلك انه يبيع نوعا مختلفا من الاسماك. الثلج يعوض الأساليب القديمة «عم الناصر» واصل معنا في مسألة «الحوت» وأساليب بعض بائعيه فقال: قديما كان بائع السمك يرش سلعته بالماء من حين الى اخر كي تحافظ على لمعانها وتتخلص من رائحة التعفن اذا كان السمك «فات فيه» وكان بعضهم يستعمل «الدواء الاحمر» في خياشيم بعض أنواع السمك ويقسم للشاري بأغلظ الايمان أنه جديد «ومن بحرو» هذه الاساليب صارت قديمة و«أنتيكة» وبما أن الغش لا ينتهي طالما هناك تجارة فإن الثلج تكفل بالعملية على أحسن وجه. كيف ذلك؟ الامر بسيط للغاية. فبعض أنواع السمك وعندما نثقلها بالثلج يتجمد بداخلها الدم. وعندما نزيح عنها الثلج فإن الدم يخرج منها بعد ساعتين أو أكثر. لهذا فإن الدم الذي يتذرع به بعض الباعة على انه دليل نضارة السمك ليس دليلا على هذا الامر أبدا». الماء والميزان هي موضة قديمة لكنها ظلت دائما حاضرة لدى 99% من بائعي الخضر والغلال عندنا. ورغم أن القانون يمنع على البائع ان يرش خضره وغلاله بالماء فإن هذا القانون لا يعترف به أحد.. وعلى رأي «عم صالح» فإن المراقبة الاقتصادية ذاتها قد تكون نسيت هذا القانون. هذا الرجل يضيف قائلا: لماذا يرش البائع سلعته بالماء؟ الامر ايضا بسيط. فالخضر والغلال ليست دائما «بنت يومها» وبالتالي فهي تذبل مع مرور الوقت. وكي ينعشها ويظهر للناس أنها جديدة فإن البائع يرشها بالماء «حاجة وحويجة» الحاجة هي أن تحيا وتلمع من جديد.. والحويجة هي أن يربح بعض الغرامات في الميزان. «فنون» الغش في اللحم مبدئيا تحدد وزارة التجارة خاصة في شهر الصيام، أسعار اللحوم الحمراء وتصنّف بعضها كي لا يؤخذ صنف بجرم صنف آخر في السعر طبعا. لكن جولة بسيطة بين أغلب الجزارين كفيلة بأن تجعلك تلاحظ أن الاسعار «ميش هي» ورغم ذلك فإن اساليب الغش القديمة والمبتكرة مازالت موجودة. أما القديمة فخلط لحم الخروف بلحم النعجة ولحم البرشني وخلط لحم البقر التونسي ولحم البقر المستورد والبيع بالسعر الاعلى.. القديمة أيضا أن يعمد جزار الى شد خصيتي خروف بالابرة والخيط على «سقيطة» نعجة وأن يقسم لكل من يساوره ادنى شك بأنه «علوش حليب صافي» وأما الجديدة نوعا ما فهي بدعة «الزرارق» المائية.. نعم المائية التي تجعل اللحم يميل الى الحمرة حتى لو كان لحم نعجة عمرها 150 عاما ويجعله كذلك يبدو للناس انه «فرشك» كأنه جاء من المسلخ منذ ساعة فقط. «الكيلوغرام من «الكاغط» ب 13 دينارا أحد الجزارين ويدعى «الصادق » قال لنا في هذا السياق: أنا لا أستعمل هذه الاساليب ولا أبيع نوعا من اللحم على أنه نوع آخر.. وقد يعتقد البعض منكم ان الجزار يربح مئات الدنانير يوميا فهذا غير صحيح لأننا لا نربح الا القليل لأننا نشتري اللحم «على بعضو» ونلقي بجزء هام منه (ما يرفضه المستهلك) في حاويات الزبالة.. إذن كيف أتجنب الخسارة؟ أنا أعرف أن القانون يمنع علينا أن نزن اللحم بالكاغط السميك لكني رغم ذلك أزن به ولا حيلة لي غير ذلك»! لكن هل تعرفون ماذا يعني كلام هذا «الصادق»؟ انه ببساطة يعني ان الكثير من الجزارين يشترون الكيلوغرام الواحد من الكاغط بحوالي 600 أو 800 مليم ويبيعونه بسعر اللحم بالضبط. فالكاغط الموزون مع اللحم يأخذ من هذا الاخير ما بين 50 و100 غرام في كل «بيعة» ولكم وحدكم أن تحسبوها. أضرب الميزان منذ حوالي عامين اشترى أحدهم في اليوم الاول من شهر رمضان كيلوغراما من اللحم من أحد الجزارين.. هذا الاخير كان يضع على رأسه شاشية حمراء ويرتدي «بلوزة» بيضاء ناصعة وكان جبينه «مطبوعا» بما يدل على العبادة والتقوى.. الرجل تسلم القرطاس وسار بضع خطوات فشك في الامر ثم أراد ان يتخلص من «إن بعض الظن إثم» فذهب الى بائع غلال يعرفه وطلب منه أن يزن له ذلك اللحم فوجد أنه 750 غراما فقط!!.. وعاد الرجل الى «الزاهد» وصار ما صار بينهما وانفضت «الحضبة» التي كانت أمام الجزار بمجرد اكتشاف أنه مزيف وغشاش. هذه الحكاية رويتها للسيد صادق فصادق عليها وقال: نعم هي موجودة خاصة لدى أولئك الذين يستعملون الميزان الالكتروني او الميزان ذي السهم الطويل. فهم يرمون قرطاس اللحم على الميزان رميا ثم يخطفونه خطفا قبل أن «يركح» ثم يدعون لك بالشفاء والهناء فيذهب الجافل ويأتي الغافل ونادرا ما يتفطن شخص الى هذا الامر. الميزان الخفي والغش المخفي اسلوب آخر لخطف المليم من جيب المواطن وهو أن بعض التجار يتعمدون إخفاء آلة الوزن وراء النصبة فلا يرى أحد ماذا وكيف يزنون.. اضافة الى هذا هناك بعض الجزارين من يخاف الله لكنه يسرقك بفنيات عالية. فعندما تطلب منه رطلا من اللحم مثلا يقتطع جزءا يعرف بخبرته انه يزن اكثر مما طلبت فتدفع مرة ونصف مثلا ما كان يجب أن تدفع. المرأة عدوّة الجزارين المساحة حكمت بأن اكتفي بما قلت. لذلك سأختم بهذه الحقيقة التي لا جدال فيها. فالغش الذي تحدثت عنه في آخر الفقرة الماضية لا ينطلي الا على الرجال. فالرجل يخجل عادة أمام الناس ولا يطلب من الجزار أن يعطيه ما طلب بالضبط حتى لو أعطاه «الدوبل» لكن المرأة عندما تقف أمام جرار وتقول له «أعطيني بدينارين لحم» فإن ذلك يعني أن «بدينارين وميا» لا ..لذلك أنصح كل رجل يريد شراء اللحم مستقبلا بأن يكلف امرأة بهذه المهمة وسوف يرى النتائج.