لقد قال رئيس الجمهورية التونسية في خطابه يوم الثالث عشر من اوت الجاري انه من تمام المساواة أن ترث المراة مثل الرجل وذلك من باب الاجتهاد المشروع و المطلوب في فهم الدين كما نص على ذلك كتاب الله المبين. وقد عين لتنفيذ هذا القرار بصفة فورية لجنة سميت لجنة الحريات الفردية والمساواة لدى رئيس الجمهورية ولكن اليس من حق التونسيين ان يتساءلوا بعد ان عرفوا اسماء اعضاء هذه اللجنة المكلفة بالاجتهاد في مسالة المساواة في الارث وزواج المسلمات بغير المسلمين، هل تتوفر في هؤلاء الأعضاء شروط الاجتهاد التي اتفق عليها علماء الاسلام والتي ليس فيها خلاف ولا شك ولاعناد؟.. وأولها معرفة قدر صالح من اللغة العربية ثم معرفة تفسير القران وخاصة ما يتعلق بآيات الأحكام وما ورد من الأخبار في معاني الايات ثم معرفة السنة النبوية بأسانيدها ومتونها ثم المعرفة الدقيقة باحكام الاسلام الخمسة وهي الحلال والحرام والندب والكراهة والاباحة ومعرفة مواقع الاجماع والاحاطة بمواقع الأقيسة ومنهج القياس ان المطلع على اختصاصات العلمية لاعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة لا يرى ان احدا منهم تتوفر فيه هذا الشروط فليس فيهم استاذ واحد على الاقل من اساتذة الشريعة وأصول الدين.. فعبد المجيد الشرفي استاذ معروف بين اسوار كلية الآداب وليس له لدى علماء الدين المنتسبين الى علوم واختصاص الشريعة في تونس اي شهرة فيها ولا تمرس في اي باب من الأبواب فهو بمختصر ومفيد الكلام لا يعتبر لدى التونسيين لا من فقهاء ولا من علماء ولا من المختصين في شريعة الاسلام.. أما عن صلاح الدين الجورشي فهو من المشهورين في مجال الثقافة العامة وفي مجال الاعلام ولم نسمع يوما انه يقول او يقول الناس عنه انه من علماء ومن شيوخ الاسلام.. اما عن بقية الأعضاء فهم بعيدون اكثر من هذين العضوين عن علم الفقه وعن علم التفسير وعن علم السنة النبوية وغيرها من علوم الدين بل ان عضوة من اعضائها ليس لها دراية بغير عالم السينما وما فيه من الممثلين والمخرجين والمنتجين، فهل سيقبل الشعب التونسي حقا ما سيسفر عنه اجتهاد هذه اللجنة من قرارات في مسألة المساواة في الارث بين الرجال والنساء وزواج المسلمات بغير المسلمين ؟ام سيعتبر اجتهادها مدنيا لا علاقة له بعلوم ولا بحكام الدين ولا بالقرآن الكريم ولا بكلام محمد رسول الله خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين؟ ثم وقبل كل هذا الذي تقدم وبعده اليس من حق التونسيين المسلمين ان يتساءلوا وهم في كامل الحيرة وفي تمام الصدمة لماذا لم يعين رئيس الجمهورية في هذه اللجنة عضوا يعد من شيوخ العلم الشرعي فعلا ومن المنتسبين حقا الى كلية الشريعة واصول الدين؟ أوليس فيها شيخ واحد على الأقل يستحق ان ينتسب الى هذه اللجنة ويساهم بتكوينه الديني الصحيح فيما سينتج عنها من اجتهاد ومن عمل؟ ثم او ليس من عجائب الأمور ان يوكل الى هذه اللجنة النظر في مثل هذه المسائل الدينية وليس من ضمنهم على الأقل حضرة وجناب مفتي الجمهورية والديار التونسية؟ فهل اعضاء هذه اللجنة اعلم منه بشؤون الدين واقدر منه على الاجتهاد في احكام كتاب رب العالمين؟ ولما كان الشيء بالشيء يذكر فاني اتذكر أن بورقيبة السياسي المحنك القدير قال يوما لاعضاء حزبه وهم يستعدون لخوض الانتخابات التشريعية عليكم ان تفعلوا ما في وسعكم حتى يكون في مجلس النواب كشطة من الكشط الدينية العلمية حتى يطمئن الشعب الى نتائج انتخاباتنا نزيهة صادقة شرعية.. وذلك عندما لاحظ بورقيبة ان الشعب التونسي لا يطمئن الى القوانين والقرارات السياسية الفوقية اذا لم تكن مؤيدة برأي وموقف شيوخ الدين في هذه البلاد التونسية ثم اني احيل القراء الكرام على كتاب امراتنا في الشريعة والمجتمع ليروا تلك الصورة التاريخية التي افتتح بهذا الكتاب وهي صورة سماحة مفتي الجمهورية التونسية انذاك الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وهو يدلي بتصريحه بحضور الرئيس الحبيب بورقيبة يوم الاعلان عن مجلة الأحوال الشخصية وذلك ليكسبها بورقيبة المعروف بذكائه قوة دينية تجعل فصولها ترتقي الى مرتبة الوجوب والالزام شرعيا وقانونيا فهل ستنجح لجنة الحريات الفردية والمساواة في ما وكل اليها من مهمة الاجتهاد في التسوية بين الرجل والمرأة في الارث وتقسيم التركات ام ستفشل في نيل مرضاة وقبول الشعب لما اشرنا اليه في هذا المقال من النقائص من باب ابداء الملاحظات التي لا يجب ان يغفل عنها كل بصير بشروط وعواقب الاجتهاد في الدين الذي يعتبر في بلادنا وفي كل البلدان الاسلامية من اعسر المواضيع التي يتحمل مسؤوليتها وعواقبها كل من شارك فيها في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الناس للحساب امام خالقهم وخالق هذه الأرض وهذه السماوات.